أخبارصحيفة البعث

العلاقات التركية الأمريكية.. عداء بحكم المصالح

شهدت العلاقات التركية الأمريكية مؤخراً تحولاً كبيراً على الساحة السياسية، رغم أن مواقفهما، السلبية، متطابقة تجاه قضايا المنطقة، ونرى اليوم أنه لم تعد واشنطن وأنقرة تتقاسمان التهديدات أو المصالح المشتركة التي تربطهما ببعضهما كما كان الحال فيما سبق، في حين نجد أن العلاقات الثنائية بينهما يشوبها عدم الثقة.
على مر الزمن كانت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة متوترة إلى حد ما، وظلت مستمرة بذريعة التخوف من تهديد الاتحاد السوفييتي السابق كما تزعمان، ولذلك كان البلدان يتجاهلان النزاعات، وغيرها من الخلافات، ومع ذلك حرص الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون منذ خمسينيات القرن الماضي على الاعتراف علناً بالدور المحوري الذي تضطلع به تركيا في مخططات واشنطن، وفي تسعينيات القرن الماضي كان المسؤولون والمحللون الأمريكيون يدعون أن تركيا كانت مستعدة للعب دور قيادي في التنمية الاقتصادية، والديمقراطية في آسيا الوسطى، والتأثير على روسيا لصالح الولايات المتحدة، خاصة بعد نمو العلاقات بين تركيا والكيان الإسرائيلي، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للاعتقاد بأن كل الأطراف: واشنطن وتل أبيب وأنقرة، سيصبحون شركاء طبيعيين في ضمان الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط.
طيلة سنوات الحرب الباردة، لعب طابع التعاون الأمني ​​الأمريكي التركي دوراً مهماً في احتواء الاتحاد السوفييتي السابق، وهو ما دفع الطرفين إلى تجاهل أحداث مثيرة للسخط بينهما، وبعد مرور ثلاثة عقود تقريباً على انتهاء الحرب الباردة، وجدت تركيا والولايات المتحدة نفسيهما على طرفي نقيض على امتداد الساحة السياسية بشأن العديد من القضايا الدولية الكبرى، خلال هذه الفترة الزمنية شهد العالم تغيرات جذرية هامة لا يمكن لأحد تجاهلها، وعلى الرغم من أن بعض الصعوبات التي تواجهها واشنطن في إدارة العلاقات الثنائية مع تركيا يمكن أن تعزى إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية، إلا أن الكثير من الصعوبات لها أسباب سياسية .
من المحتمل أن تتضاعف قائمة التناقضات والخلافات المتبادلة بين الطرفين، ما يجعل التوصل إلى تفاهم متبادل أكثر صعوبة، وبسبب الخلافات الكثيرة في التعامل مع الولايات المتحدة، يمكن أن تحاول أنقرة البحث عن طرق سياسية جديدة من خلال البحث عن علاقات أوثق مع موسكو وطهران، وتحسين مكانتها مع الاتحاد الأوروبي.
هذه الأوقات العصيبة في العلاقات الأمريكية التركية لا تترك مجالاً للتفاؤل في التصريحات العلنية التي أدلى بها ممثّلو الدولتين، وعلى الرغم من أنه لا يوجد نقص في الاتصالات الثنائية، لكن كلاً منهما يعمل على تطوير أجندته الخاصة، بينما يتجاهل شكاوى البلد الآخر.
ولعل النقطة الرئيسية في توتر العلاقات الآن هي خطابات أنقرة التي تدور حول إنشاء ما يسمى بـ “المنطقة الأمنية” في شمال سورية، حيث تعمل مصادر الدعاية التركية في بذل الجهود لتعزيز هذا الموضوع، كما تعمل الهيئات الحكومية الرسمية أيضاً على خلق شعارات من خطابات أردوغان بتأكيدها على ضرورة إنشاء منطقة “أمنية مع تركيا” تتحكم بها أنقرة فقط، وهي تبذل جهداً كبيراً لتعزيز هذه النقطة، وقد تم التأكيد عليها من ممثّلي النخب التركية، والسياسيين المحليين، وفي الوقت نفسه تركز وسائل الإعلام التركية على عدم قبول نشر أي قوات أخرى في “المنطقة الأمنية”، باستثناء تركيا، كما تصر على عدم إمكانية الولايات المتحدة التخلي عن تركيا، حليفتها المخلصة منذ 70 عاماً.
إذاً هناك علامات واضحة على الانزعاج من الموقف الأمريكي الذي يعيق أردوغان عن وضع خططه الخاصة في المنطقة، وهناك رغبة واضحة في دفع واشنطن بطريقة أو بأخرى إلى تحديد موقفها، وهي الطريقة التي يمكن من خلالها تفسير تصريحات أردوغان المتكررة بأنه إذا لم تستطع واشنطن أن تقرر ما يجب القيام به، فإن تركيا ستتصرف من تلقاء نفسها، أما فيما يتعلق بمسألة شراء أنظمة الدفاع الروسية المضادة للطائرات S-400 فقد رفضت تركيا الصفقة التي اقترحتها واشنطن مؤخراً بتزويدها بأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت في نهاية عام 2019 مقابل إلغاء الصفقة مع موسكو.
بغض النظر عن الكيفية التي تحاول بها الولايات المتحدة إتمام الصفقة، فإن تركيا تعي تماماً حقيقة أن باتريوت أقل فعالية من S-400 الروسية، ومبرر تركيا هو أن الولايات المتحدة اعتمدت القبة الحديدية في الكيان الإسرائيلي لتلبية احتياجاته الدفاعية، في حين ترغب ببيع أجهزتها التي عفا عليها الزمن إلى “حلفائها الأوفياء”.
في الكابيتول هيل يزداد الموقف العام تجاه تركيا تشدداً، إذ يشكك أعضاء الكونغرس فيما إذا كانت تركيا تستحق عضوية الناتو، حيث يتم تفسير التعاون العسكري الروسي التركي على أنه “تهديد” لأمن الحلف، ونتيجة لذلك تقود النخبة السياسية الحالية في واشنطن سياسة الولايات المتحدة بأنه في المستقبل ينبغي أن تسترشد القرارات الأمريكية بحقيقة أن تركيا لم تعد صديقة للولايات المتحدة، على الرغم من أنها ليست بعد عدواً، ولذلك ستواصل واشنطن العمل مع أنقرة عندما تكون قادرة على جني ثمار من هذا التعاون، لكنها ستكون سعيدة بالقدر نفسه باللعب ضدها.
سمر سامي السمارة