زواياصحيفة البعثمحليات

رزق البسطة

 

نتفهم سياسة كف النظر التي مارستها محافظة دمشق  ولم تزل منذ مطلع الأزمة وحتى الآن تجاه السرطان الذي استشرى في أرصفة وشوارع قلب العاصمة وأحيائها التجارية على شكل بسطات وعربات وأكشاك، حولت أكثر المعابر حيوية وازدحاماً إلى بؤرة لا مكان فيها لوضع قدم لمواطن راجل، فالتوجه الذي اتبعته الحكومة يقوم على السكوت على مخالفة من هذا النوع؛ ليس لأنها عاجزة عن قمعها وإزالتها، بل لأن ثمة بعداً اجتماعياً يتعلق بأرزاق الناس سمح بتفشي تجارة الأرصفة وتحويل الشوارع والأرصفة إلى صورة غير لائقة بتاتاً، حتى لو كانت بمثابة الوجع الذي ترش عليه “الإدارة المحلية” الملح اضطراراً.؟

لوهلة ترتفع حدة حنق المواطن من تبعات ومنغصات انتشار هذه الظاهرة التي يعرف الجميع أنها استثنائية، ولم تكن تحصل لولا تواطؤ الأزمة مع الحالة ككل، وتماهيها مع باقي المنعكسات القائمة على الاستثمار السلبي والاستغلال غير المحمود، ومع ذلك يدرك من يتابع ويقرأ ما بين السطور أن “العجز” الذي أشرنا إليه في البداية ينطبق على جزئية أخرى لها علاقة باعتراف غير مباشر بأن هناك عطالة وبطالة لم تستطع الحكومة أن تؤطرها في عمليات تشغيل مضمونة وملبية للطموحات، ولهذا كان التعامي عن هذه التجاوزات تكتيك يمتص من خلاله جمل الضغط التي يجب تنفيسها بثغرات وهوامش وفرص عشوائية تشكل حلولاً إسعافية ضرورية ولاسيما في ظل ظروف قاهرة تنشغل فيها أجهزة الدولة بكل ما يبقي الوضع مضبوطاً ومسيراً بما يؤمن سبل العيش للمواطن لا محاربته في لقمته بشكل تعسفي، كما يتبجح البعض من السفهاء وممن لم “يعضهم الجوع”.؟

للحقيقة يلمس المراقب تراجعاً في تفشي المشهد المعقد من “التجارة المريضة”    كما ينعتها أحدهم عبر معالجات تقوم على القضم شيئاً فشيئاً، وإيجاد أماكن بديلة وأسواق ثانوية، ولكن ثمة تخبطات تعيد القضية أحياناً إلى المربع الأول إذ لا أحد يلتزم بجغرافيا بعيدة لا يقصدها زبون ولا يمر منها مستهلك، في وقت تتشابك المسائل لتتجاوز فكرة “الاسترزاق” إلى تكوين شبكة تجارة وقبض رشوة ونسب وعمولات لمتنفذين ومتسلطين ومسؤولين محليين يستثمرون الأرصفة ويؤجرونها لصالحهم، وهذه حقيقة لا شك فيها .!؟

اليوم تشكل البسطات أكثر الظواهر شذوذاً، ولا نعرف لماذا الإبقاء عليها رغم خطورتها وسوء وجودها ليس بالمنظر العام فقط، بل بكل تفاصيلها ومنعكساتها وفسادها اللا متناهي.؟

كنا نتقبل تبريراً من قبيل أن هؤلاء الذين ستحرمهم البيع على الرصيف ولا تؤمن لهم مورد رزق أو فرصة عمل “ربما يحدثون ضجيجاً وبلبلة الجميع بغنى عنها”، وما مخالفتهم إلا الشيء البسيط أمام ارتكابات الآخرين وفسادهم الاقتصادي والإداري.. ولكن اليوم تكشفت القضية لتظهر الأيدي والأرجل المستفيدة، والمتاجرة بهذا الشعار الذي يخدم مصالحهم وجيوبهم فقط..؟

علي بلال قاسم