ثقافةصحيفة البعث

العرب والقراءة

 

صنَّفت المنظمة الدولية للثقافة والعلوم “اليونسكو”إيران الأولى في المنطقة في تأليف الكتب ونشرها سنويا، حيث وصل عدد الكتب الصّادرة العام الماضي إلى نحو 73 ألف كتاب، وهو رقم كبير قياسا لما تنشره البلدان العربيّة التي يتجاوز عدد سكانها 300 مليون نسمة. تلك البلدان الغارقة في مستنقع خلافاتها منذ أيام داحس والغبراء وحتى الآن.
وقبل خمسة عشر عاما، أي قبل أن تستحوذ وسائل التّواصل الاجتماعي على جلِّ أوقاتنا وتصبح الشّابكة،كما ارتأى مجمع اللغة العربية تسميتها،في متناول أكثر من ثلاثة أرباع العرب، نشرت “اليونسكو”تقريرا بين أن متوسط معدّل القراءة في العالم العربي لا يتعدّى ربع صفحة للفرد سنويا، أي أن كلَّ ثمانين عربيا يقرأون كتابا واحدا في العام، بينما يقرأ كلُّ مواطن أوروبي خمسة وثلاثين كتابا في السنة.
ورغم أن التّراجع الكبير للثقافة الورقية هي حالة عامة في كلِّ دول العالم، وإن بنسب متفاوتة، حيث بات بالنسبة لنا تأبط كتاب أو جريدة موضة بالية ومحط استغراب وتندر الكثيرين في الشارع.لكن الكثير من شعوب العالم واكبت التطور في ثورة الاتصالات بصورة أكثر ايجابية وفاعلية من مواكبة شعوبنا العربية لهذا المنجز الحضاري الهائل. فقد نشر موقع غلوبال انغلش اوتينغ تقريرا يشير إلى ارتفاع عائدات الكتاب الالكتروني عالميا من 270 دولارا عام 2008 إلى 5 مليارات عام 2015، احتكرت الولايات المتحدة والصين وأوروبا أكثر من 80 بالمئة من سوق المبيعات.
كما ويتلقى نحو سبعة ملايين طالب أمريكي دراسات جامعية باختصاصات مختلفة عن طريق التَّعليم عن بعد، إلى جانب تنظيم وتنفيذ الكثير من الدَّورات التَّعليمية والتَّدريبية في مجالات مهنية عدة عبر الشَّبكة العنكبوتيَّة، التي لا يرى جلُّ العرب فيها سوى دردشات سخيفة وتبادل الإعجابات “likes” والأغاني والصور ومقاطع الفيديو، وسوق الألعاب الذي يتفوق أطفالنا في الإقبال عليها.
وقد كنَّا قبل أكثر من عشرين عاما نعزو عزوف أمَّة اقرأ عن القراءة إلى أسباب ماديّة وفق تحليلات أصحاب الشأن،كارتفاع ثمن الكتاب قياسا بمستوى الدخل، لكن اليوم هناك عشرات المكتبات الالكترونية المنتشرة على الشَّابكة تؤمن أمهات الكتب العربيَّة والعالمية بيسر وسهولة وبأسعار رمزية إذا لم تكن مجانيّة لكل من يرغب باقتنائها وقراءتها، مع ذلك قلة قليلة من يستخدم هذه التقنيّة لتوسيع معارفه ومداركه على النّحو الصحيح. لنكتشف بعد كل تلك السَّنوات أنّنا أمّة عقيمة وأنّ الفقر لم يكن يوما سببا لمجانبة شعوبها القراءة، فقد صنفت الهند تلك الدولة الفقيرة الغارقة بمشاكلها الاقتصادية، بالمرتبة الأولى عالميا في عدد ساعات القراءة أسبوعيا لعام 2016، تلتها تايلاند ثم الصين.ولهذا يمكن أن نعزو سبب تحوّل الهند مؤخرا، إلى منافس كبير آسيويا للصين في إنتاج تقنيات الانترنت التي يتربع العرب على صدارة مستورديها ومتابعة احدث أجيالها.
صحيح أن وسائل التّواصل الاجتماعي والشابكة عموما،شكلت متنفسا رحبا أمامنا للتعبير عن آراء عجزنا عن المجاهرة بها عقودا طويلة، لكن حتى هذا المتنفّس لم نستغله على النّحو الايجابي البنّاء، بل جعلنا منه”علال كليب وسراب البسوس” مرّة أخرى، فقد خرجت الضغائن الخفيّة والمكبوتة إلى العلن لتشعل نار فتن خمدت من قرون..وهذا يعود إلى سوء تطبيق مقصود لكل الاستراتيجيات الثقافية التي بقيت مجرّد شعارات طنانة لا حياة لها على أرض الواقع. فالمكتبات المدرسية على الصعيد المحلي مثلا، لم تفعل، ومكتبات المراكز الثقافية اتخمت بكتب غثّة لا قيمة لها فرض وجودها بعض المتسلقين على الفكر. والية تسمية مدراء هذه المراكز لا تراعي الخصوصية والدور التثقيفي لوجودها فراحت تدار بعقلية المدير الموظّف لا المثقف.وحتى وسائل الإعلام المتخصصة بقيت حلما غير ذي جدوى وفق العقلية السّائدة التي أفسحت الساحة أمام توالد مئات الفضائيات والإذاعات المساهمة عربيا في تسطيح العقل وبرمجته وفق خطط تبقيه غير قادر على التّحول والتّغيير لمواكبة حركة الشّعوب الأخرى وتقدمها.
آصف إبراهيم