تحقيقاتصحيفة البعث

دواء وطني لمكافحة المرض فيروس الكبد الوبائي.. ارتفاع معدلات الإصابة لغياب التوعية ونقص التعقيم

 

المخاوف من تطور وباء التهاب الكبد C وأنماطه الخطيرة القاتلة الذي حذرت منه المنظمات العالمية والوطنية منذ عام 2003، وبدأ يجتاح أجسام المرضى على مستوى العالم، لتكون منطقة الشرق الأوسط الأكثر انتشاراً، باتت حقيقة، وهذا ما دفع منظمة الصحة العالمية لأول مرة إلى وضع هدف للقضاء على الفيروس في عام 2030، وهذا ما يتطلب تعاون جميع الجهات المسؤولة بالصحة المحلية والعالمية، وتوحيد الجهود من أجل مكافحة هذا الفيروس.

قبل الحرب
كانت إجراءات القطاع الصحي قبل الحرب تتركز حول رصد ومعالجة الإصابات، حيث قامت وزارة الصحة، بحسب ما أوضحه عضو الجمعية السورية لأمراض الهضم الدكتور نعمان زيدان، بالعمل المشترك والتعاون بين المؤسسات الصحية في جميع المحافظات مع بنك الدم، وتم إنشاء، على مستوى القطاع الحكومي والخاص، الإبلاغ المبكر عن التهاب الكبد C، مع تأسيس وزارة الصحة عيادات ما قبل الزواج في محافظات: دمشق، حلب، ادلب، اللاذقية، طرطوس، حمص، حماة، ودرعا، حيث تم إجراء مسح شامل لمرضى التهاب الكبد C– B– وA، وإنشاء مركز إبلاغ موحد في وزارة الصحة عن التهابات الكبد بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.
وبيّن د. زيدان أن لهذا الفيروس انتشاراً عالمياً، وتتراوح نسبة المصابين عالمياً بالتهاب الكبد C، بحسب منظمة الصحة العالمية من 1 إلى 10%، وتتجاوز الإصابة 170 مليون شخص عالمياً، في وقت تم تقسيم مناطق الإصابات إلى خفيفة ومتوسطة وشديدة، حيث تبلغ نسبة الإصابة في منطقة أوروبا وأمريكا 2.5%، بينما في الشرق الأوسط وأفريقيا قد تصل إلى 12%، أما سورية فبين 2.5 و4%، فهي من المناطق الموبوءة متوسطة الشدة، كما تم تقسيم سورية بالنسبة لالتهاب الكبد C إلى مناطق، وبلغت نسبة الإصابة بين المتبرعين في بنك الدم بين عامي 2010 و2011 نصف%، وكانت محافظة حلب وريفها الأكثر وباء في عام 2011 بنسبة لم تصل إلى 0.7، تليها محافظة دمشق، فالحسكة، ثم ادلب، تليها حماة، فاللاذقية، بينما احتلت محافظة درعا النسبة الأقل بالتوازي مع إجراء دراسات في بنك الدم خلال النصف والربع الثاني من عام 2011 لمعرفة واقع المصابين، حيث تم اكتشاف المناطق الأكثر انتشاراً بالتهاب الكبد C، وكانت حلب والرقة، بينما اختلفت المعايير بالنسبة لالتهاب الكبد B. ولم يخف د. زيدان خطورة التهاب الكبد C كونه لا يوجد له لقاح، وله أنواع متعددة، وتتغير أنماطه، حيث يوجد “1-2-3-4-5– 6″، ومن كل نمط تتفرع عدة أنماط فرعية، ما يصعّب إجراء واختراع لقاح واضح بسبب التركيبة البيولوجية لهذا الفيروس، وبالنسبة لمخابر ما قبل الزواج، خدمت كثيراً في رصد التهاب الكبد C، وكذلك التهاب الكبد B، وأكثر المناطق التي تم رصدها: “حلب– حمص– درعا– دمشق”.

ماذا حدث بعد الحرب؟
تسببت الحرب، كما يؤكد د. زيدان، بإيقاف عملية الرصد والكشف المبكر عن هذا الفيروس، وإغلاق المراكز في المناطق الساخنة بسبب ممارسات الإرهابيين، رغم أنه قبل الحرب تم إنشاء خمسة مراكز لمعالجة التهاب الكبد C في: دمشق، واللاذقية، وحلب، وحمص، ودرعا، بإشراف وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، وكانت وزارة الصحة تؤمن العلاج المستورد كاملاً ومجاناً، وتجاوزت نسبة الشفاء 40%، إلا أن نسبة التراجع بلغت نحو 50%، في حين تجاوزت نسبة “المعندين” عن العلاج 5%، بحسب نوع الفيروس، فهناك أنواع تحتاج إلى 24 أسبوعاً للعلاج، وأخرى تحتاج إلى 48 أسبوعاً للعلاج، في حين أن بعض الأدوية كانت تفشل ويعود الفيروس إلى الجسم، بينما توجد أنواع لم تستجب أساساً، وأكثر الأنواع شيوعاً في سورية 1-4-5-6، وهي صعبة العلاج.

أسباب الإصابة
وأشار د. زيدان إلى أن أسباب الإصابة بهذا الفيروس تتشابه في جميع المحافظات، وتعود إلى المستوى الثقافي للطبقة الشعبية، والزواج من الأقارب، وعيادات الأسنان غير المراقبة، والختان غير المراقب، والوشم غير المراقب، والعيادات غير المرخصة، ولاسيما التداخلات الجراحية والتجميلية، وعدم توافر لقاح لهذا الفيروس، وضعف الوعي الصحي، ونقل الدم خارج المراكز النظامية “دون رقابة”، وتعاطي المخدرات، والممارسات اللاأخلاقية.
أما بالنسبة لالتهاب الكبد B فدخل في نظام اللقاح الوطني، وتم تخفيف الإصابة به إلى الحد الأدنى، بينما لم يتم القضاء عليه، وهو أخطر من C كونه يسبب تشمع كبد سريعاً، وتسرطن خلية كبدية سريعة، بينما C أبطأ، علماً أنه لا يحدث سرطان في الخلية الكبدية في حالة التهاب الكبد C إلا بعد حدوث تشمع للكبد، وهذا يتطلب وقتاً طويلاً، فالسرطان هو المرحلة المتأخرة من هذا المرض.

تفشي العدوى
وتابع د. زيدان حديثه بأنه لا توجد في سورية مراكز أبحاث لإيجاد لقاحات لهذا الفيروس، وقد تسببت الأحداث في إيقاف جميع الدراسات لارتفاع تكاليفها، وحتى في الدول العربية لا توجد مراكز بحثية للكشف عن المرض، والبحث عن لقاح، وكانت الفكرة السائدة في سورية أن هناك بعض الدول الرائدة في العالم لأبحاث اللقاحات ترتقي إلى مستوى الأبحاث العلمية للخلايا والمورثات.
وأفصح د. زيدان عن أنه لم يكتشف حتى هذه اللحظة فلتراً خاصاً لغسيل الكلية يستطيع تصفية الفيروسات، ومنها “B و C”، ونحن على علم بأن كل مريض غسيل كلية يتلقى لقاحات الكبد A و B، وهي لقاحات دائمة، إلا أن C ينتقل لعدم توفر اللقاح، وكذلك الحال لمرضى التلاسيما، والمنجلي، وعمليات نقل الدم، ولكن بفضل نشاط بنك الدم تم تخفيف نسبة نقل العدوى إلى الحد الأدنى له.
وأشار د. زيدان إلى أنه بسبب حداثة وتطور وسائل الاتصال في السنوات الأخيرة استطاعت عدة منظمات عالمية مع منظمة الصحة العالمية، ووزارات الصحة أن تنشر برامج خاصة للوعي والتثقيف عن هذا الفيروس، وبفضل جهود وزارة الصحة في سورية، والمحاضرات، والندوات، بالاتفاق مع شركات الأدوية الداعمة للنشاط العلمي، استطاعت سورية رفع السوية التعليمية والتثقيفية للناس عن هذا الفيروس، وتعتبر عيادة كل طبيب منبراً لنقل هذه المعلومات للمرضى، ما أدى إلى تناقص ظهور نسبة هذا المرض في الآونة الأخيرة، وبفضل التطور العلمي والأبحاث العالمية استطاعت عدة دول اكتشاف علاج يوقف هذا المرض ويعالجه، وهي أدوية معظمها متوفر في معامل الأدوية الوطنية، ويختلف نظام العلاج حسب النوع، حيث كانت تكلفة العلاج مرتفعة جداً تصل إلى 8 آلاف يورو منذ ثماني سنوات، وانخفضت إلى 4 آلاف، ومن ثم إلى ألف يورو، وحالياً الدواء متوفر في أحد المعامل، فأحد الأنواع تصل تكلفته إلى 300 ألف ليرة، وهو ناجع وشاف، وكان لمراكز علاج الكبد في كل من مشفيي ابن النفيس ودمشق الفضل الأكبر في تأمين الدواء، وخفض نسبة الإصابة بنسب عالية، كما تم، بحسب د. زيدان، إجراء ندوات تثقيفية، واتخاذ الاحتياطات للعاملين، ومن أجل ارتداء اللباس الطبي، والقفازات حتى لا تنتقل إليهم أثناء الوخز بالإبر للمريض، وبفضل برامج ضبط العدوى، والتوعية الصحية ضمن المنشآت الصحية، انخفضت العدوى كثيراً ضمن العاملين الصحيين.

ازدياد الإصابة
واعتبر رئيس الجامعة السورية الخاصة الدكتور نذير إبراهيم أن الدراسة الحديثة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية عن التهابات الكبد C، وشملت 22 ألف مريض، مهمة جداً، ولكن لم تسمح وزارة الصحة باستخدام الداتا ونشرها في المجلات العالمية، وكانت نتائجها أن التهاب الكبد C لم يتناقص في سورية، وهناك مؤشر أولي بأن الرقم يزداد، وأصبحت مشكلة لا مفر منها، لاسيما خلال عامي 2012 و 2013، حيث ارتفعت حالات الإصابة، وتم إجراء الدراسة على 22 ألف مريض في المحافظات باستثناء 3، وتم اكتشاف ارتفاع الإصابات في اللاذقية، في حين أن نسبة 54% لا يعرفون عن التهاب الكبد C، وأن 35% لا يعرفون طرق الانتقال، وتعرّض بعض العاملين في المشافي للعدوى، مشدداً على ضرورة إيلائها اهتماماً أكبر بالتوازي مع ضرورة رسم سياسة وطنية في هذه القضية، وإشراك جميع الفعاليات للوصول إلى القضاء على الفيروس، لاسيما أن عوامل الخطورة زادت خلال الأزمة، حيث ينتقل الفيروس عن طريق العدوى إما بالدم، أو الجنس، “أصحاب مهنة الحلاقة، أطباء الأسنان” الذين لا يتبعون توصيات التعقيم، وكانت نسبة الإصابة عند الكبار.
وأوضح إبراهيم أن عدد الإصابات كبير، ويبلغ أقل من 2% من عدد المواطنين في سورية، بالمقابل تبلغ نسبة الوفيات بالتهاب الكبد حوالي 20%، وهي نسبة عالية، علماً أن العلاج متوفر، وقادر على التخلص من الفيروس، وحتى أثناء الحرب لم تتوقف الدولة عن تقديم العلاج المجاني في المراكز الستة، حيث يوجد 3 آلاف مريض يتلقون العلاج في المراكز مجاناً.

5% تضرب الأطفال
وعلى الرغم من أن التهاب الكبد C عند الأطفال أقل من الكبار، ويبلغ عدد المصابين 5 ملايين حول العالم، إلا أن الدكتورة هالة ونوس من مشفى الأطفال بيّنت وجود إصابات في سورية تتركز في مراكز غسيل الكلى، ومحتاجي الدم بشكل متكرر، حيث تبلغ نسبة الإصابة 5% من الأم المصابة إلى الجنين، وكذلك بعد العمليات الجراحية، علماً أنه يوجد علاج جديد للأطفال، ونسبة الشفاء 98%، وخلال 12 أسبوعاً، آملة الاهتمام أكثر في تأمين الأدوية.

الوعي المجتمعي
ورأى رئيس جامعة دمشق الدكتور محمد ماهر قباقيبي ضرورة تعميق الوعي المجتمعي من خلال تسليط الضوء على التهاب الكبد C كونه مرضاً وبائياً حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، علماً أن 71 مليون شخص أصيبوا بالتهاب الكبد C المزمن يتعايشون على مستوى العالم، ورغم أن بعض المصابين يتخلصون من الفيروس خلال ستة أشهر من العدوى دون أي علاج، إلا أنه لا يوجد حتى الآن لقاح في ظل تواصل البحوث في هذا المجال، في حين تتراوح فترة الحضانة بين شهرين إلى ستة أشهر.

كلفة العلاج
وكشف مدير التسويق في مختبرات آسيا الدوائية الدكتور محمود حيو عن التوصل إلى إنتاج دواء جديد مشابه للعالمي، تصنيع محلي بجودة الصناعة الوطنية، وتحوي كبسولة الدواء الواحدة مركبي دواء، وتقضي على الفيروس في مدة 12 أسبوعاً، وتبلغ الكلفة العلاجية النهائية 120 ألف ليرة.

الإطار النظري
يبدو أن التقصير ليس على مستوى التوعية الصحية فقط، بل طال مجال الأبحاث العلمية التي لم تتعد مرحلة التنظير، وهنا يجب على الجامعات والهيئات البحثية أن تخرج من الإطار النظري، وتقوم بإجراء الأبحاث التي تخدم المجتمع، سواء بإيجاد العلاجات، أو حتى على مستوى ابتكار معقمات وأجهزة تعقيم أكثر فاعلية تفيد في ضبط العدوى لهذا الفيروس أو غيره.
فداء شاهين