ثقافةصحيفة البعث

عندما تكون الكرامة قراراً

 

في يوم عليلة نسائمه من أيام نيسان، شهر الربيع الذي كاد من فرط حسنه أن يتكلما على قول البحتري، كان الرفاق وبعزيمة لا تلين رغم الحروب التي شنتها الأنظمة السياسية يومها على جميع الأحزاب الوطنية التي كانت قائمة في سورية إبان الاستقلال، جلس الرفاق وكل في قلبه وعيونه، حلم ثوري بغد أفضل للوطن ولأهله، ليجيء ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي أولا في تلك القلوب، ثم على الورق والحياة الحزبية السورية، في السابع من نيسان 1947، ونهض حزب البعث كما ينهض الربيع في كل نيسان، والبعث الاسم الذي اختاروه اسما للحزب الوليد، لم يكن وليد فكرة عابرة، بل من إيمان عميق بمفهوم هذه الكلمة المجيدة، البعث، بعث الإنسان الجديد، الحر، المستقل، وبعث النهضة القومية العروبية، والتي هي السبيل الوحيد، ليكون العرب مجتمعين على قلب رجل واحد، كما نص شعار الحزب”أمة عربية واحدة، ذات رسالة واحدة” الشعار الذي أرعب أقوى دول العالم الاستعمارية، شعار نقف في كل عام وبهذا التاريخ، نهتف بحناجر لا يهزها الإيمان بعقيدتها، ولا بحقيقة المنطلقات البعثية، في باحات المدارس، والملاعب، في الجامعات والمعاهد في المعامل والمصانع، وذلك على كل الجغرافية السورية، في مشارق البلاد ومغاربها، وجنوبها وشمالها، نرفع التحية وعيوننا شاخصة إلى العلم الوطني وعلم حزبنا المجيد بقلوب ممتلئة، بكونه حزب الناس، حزب الفقراء والمستضعفين، حزب التنظيم والريادة.
هذا الحزب النبيل قولا وفعلا، بقي يتطور ويتحالف مع الأحزاب ذات الوجهة الوطنية الحقيقية، باعتبار أن عملاء المحتل الفرنسي، بقي العديد منهم بين ظهرانينا، ليخرج وبقوة السواعد التي انضمت إليه وهمة العقول التي آمنت به، كحزب مخلص لديه حلم يسعى لتحقيقه، وذلك في تحقيق الوحدة العربية المنشودة حتى اللحظة، حتى وبعض الأعراب يعملون على تخريب البلاد، بتمويل مرتزقة القتل والخراب، وكما أسلفنا معظم الجنود الرفاق، والرفاق الذين تطوعوا للدفاع عن بلدهم وهم ليسوا في المؤسسة العسكرية، كانوا الدينمو الحقيقي لدوران عجلة الأيام، والنتيجة التي لا يصدقها المنطق والمعجزة، تكسرت صلابتها، على أكف أولئك الرجال ونياط قلوبهم، منهم من استشهد ومنهم من بقي وما بدلوا تبديلا.
حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب الناس، حزب العامل والفلاح والجندي والطالب، وها نحن نرى اليوم، أن الرفاق الذين جاؤوا من مختلف الجهات، يحاربون أعتى الحروب التي تديرها الرأسمالية العالمية ضد بلادهم، فكون أغلب الرفاق المقاتلين في المؤسسة العسكرية هم من المنتسبين لهذا الحزب، وما تشربته أرواحهم منه ومن فكره النير بما للكلمة من معنى، جاءت عزيمتهم صلبة كالفولاذ الذي سقوه بدمائهم، إن كان في إنشاء المؤسسات العامة، والمدارس والجامعات، وغيرها من المنجزات التي هي من الشعب وللشعب، ليمضي حزبنا العظيم، إلى أعلى مراتب السلطة السياسية، من خلال الجمهور الذي التحق بركبه، وآمن بما يسعى لأجله، محققا مكتسبات لجمهوره، لم تكن موجودة في أي حزب سابقا، وهو ومع تقادم الأيام، وهبوب رياح التغيير العنيفة في المنطقة، بقي صامدا كجبل لا تهزه ريح، تآمر عليه العالم، القريب والبعيد، ولولا التنظيم الهيكلي المرسوم بعناية لخطوات الحزب، لكانت الحرب قد نالت من البلاد، فالسواد الأعظم من الشعب، هم من وقف في وجه الريح العاتية، صادا إياها بالدماء والأرواح.
بقي الحزب مؤمنا بالأسس التي قام عليها، حتى والشقيق يطعنه في الظهر، لكن هذا لن ولم يثنه عن متابعة النضال، والدعوة المرة تلو الأخرى لتوحيد الصف، ذاك الذي شقه العربان والصهاينة معا، فالمشكلة ليست في توجهات الحزب، ولا في منطلقاته، بل بالصورة التي اشتغلت على تشويهها، ماكنة دعائية وتهديدية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، تسند المعتدي وتمده بكل ما يريد ليسقط هذه البلاد، إلا أن رجلا قال كلمته وهو الأمين العام للحزب بأن كرامة الناس وحياتهم المعيشية وأمنهم، هو ما يحارب لأجله، وبأن حربه لن تنتهي، حتى تحرير آخر شبر محتل من سورية الحبيبة، هذا الرجل الذي يحترمه حتى عدوه، لمعرفته ويقينه، أنه وحزبه أصحاب أفعال لا أقوال، وبأننا سنخوض كل حرب سببها سرقة خيرات هذه البلاد وثرواتها.
ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي، وما جاء من تطورات كبيرة ومعقدة حصلت فيه، إن كان بالثورة البيضاء أو ما يعرف بالحركة التصحيحية، التي لم تسقط قطرة دم واحدة بسببها وفيها أعاد القائد المؤسس حافظ الأسد، ترتيب البيت الداخلي للحزب وتصحيح مساره، بجدران منيعة من الإيمان بهذه العقيدة الضاربة في القدم، عقيدة الانتماء أولا للوطن الواحد الكبير، والمضي خلف قائد فذّ، لا يحني وشعبه رؤوسهم إلا لله، وكل ما هو دون ذلك لا يهم، طالما أن الكرامة الإنسانية والوطنية محفوظة في وجدانه، نشأ عليها في بيت كريم لرجل كريم، نهل من حكمته ما نهل، وفي سبيل إعلاء راية الحق، التي هي واحدة من أهم ما يطلبه الطموح البشري.
بالتأكيد سوف يُعمل اليوم ما تم عمله بالأمس، من شيطنة لهذا الحزب العظيم، وبالتأكيد أيضا أنه يعاني في العديد من مفاصله من بعض الفاسدين فيه، كما عانى في الماضي والقريب منه كما رأينا، لكنه وبما خطه لنهجه السياسي والاجتماعي، بقي قادرا على الفوز بضمير الناس، الذين يعلمون تماما، الفرق بين من يفنى لأجلهم ولأجل بقائهم والوطن، وبين من يريد بهم من السوء والدمار، وهاهم اليوم، يعرفون تمام المعرفة، بأن سياج هذا الوطن هو الحزب الذي يقوده، برجالاته الميامين، وبقائده الذي كسر وحارب وبكل هدوء، كل من أراد شرا لهذا البلد ولأهله.
تمّام علي بركات