دراساتصحيفة البعث

البريكست يربك الأحزاب البريطانية

 

ترجمة: لمى عجاج

عن موقع الغارديان 7/4/2019

جاء في كتب التاريخ الكثير من الروايات التي تحكي عن الرعب النفسي والحيرة التي عاشها السكان الأصليون لأمريكا الجنوبية عندما اقترب الفاتح الإسباني فرانسيسكو بيزارو من شواطئهم، وكيف أنهم دهشوا لرؤية سفنه ذات الأحجام  والأشكال الغريبة التي كانت تطفو على مياه المحيط حاملة معها الكثير من الأسئلة التي ليس لها أي تعليل يشرح سبب وجودها.

حال السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية هي حال الحزبين السياسيين البريطانيين نفسها، بعد الإرهاق العصبي والمعاناة النفسية التي عاشوها في هذا الأسبوع، فقد كان لهذه القصة الحزينة بشكلٍ أو بآخر حضورها الواضح على ما عاشته ويستمنستر هذا الأسبوع، والذي يمكن أن يرقى إلى مستوى التحدي التاريخي، حيث بدت الطبقة السياسية مرعوبة بسبب قرب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد أن أدركت أنها كانت تتعامل باستخفاف (نسبي) مع الأحزاب المتحاربة وسياساتها التحزبية، بدلاً من التعامل بوضوحٍ وجرأةٍ مع هذا التغيير الكبير الذي كان مرتقباً منذ الحرب العالمية الثانية، والذي كان من الممكن أن يحمل معه الكثير من التطورات في البنية المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد.

عندما قدّم وزير الدولة لشؤون الأطفال والأسر وعضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين نديم الزهاوي اعتراضه على المضي قدماً في انتخابات البرلمان الأوروبي، لأنها تشكل تهديداً وجودياً لحزب المحافظين، كان الردّ المتوقع هو ماذا إذن؟!. من المؤكد أن نظام الحزب هو جزء مهمّ من النسيج السياسي للدولة، لكن فكرة أنه يجب تحديد وقت معيّن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتناسب مع مزاج أعضاء حزب المحافظين المتقلب هو أولوية في غير محلها إذا جاز التعبير، فالحفاظ على الإمدادات الغذائية وتوافر الأدوية المنقذة للحياة والانتشار المدروس للقوات في المناطق المدنية هي مسائل أكثر إلحاحاً من مصير الوردة الزرقاء، كما أن هناك 25 نائباً من حزب العمال كتبوا إلى جيريمي كوربين يشتكون من أن الاستفتاء الجديد من شأنه أن يقلّل من فرص فوزهم في الانتخابات العامة، لأن عدداً كبيراً من النواب، وعلى الأغلب أكثرهم، يرى أن المقاهي البرلمانية تشبه دور النقاهة التي كانت تُمنح للجنود المصابين في الحرب العالمية الأولى.

ومع كل ما يحصل يبقى شبح البريكست حاضراً بقوة في هذا المشهد البائس والذي ستكون محطته القادمة في بروكسل حيث ستعقد قمة الاتحاد الأوروبي، والتي ستسعى فيها رئيسة الوزراء وبحسب ما سيصدر عنها من خطط إلى تمديد المادة 50 إلى 30 حزيران القادم. إن هذه الخطة هي الفرصة الأخيرة لتيريزا ماي لإيجاد حلّ لهذا الانقسام الحاصل دون أي فائدة تُذكر، وسيكون المخرج الأخير لإنقاذ المملكة المتحدة من مصيرها المحتمل هو مغادرة الاتحاد الأوروبي. لكن الحقيقة هي أن تأجيل الخروج حتى نهاية حزيران القادم ليس سوى وقف تنفيذ للأصوات المطالبة وللرفض الثلاثي لصفقة رئيسة الوزراء وللمفاوضات المتعثرة بين الأحزاب، وجميعها تُظهر عدم جدوى إستراتيجية ماي.

في الواقع يبدو أن هذا هو الأسبوع الذي سيشهد المفارقة الأكثر إثارة في العملية برمتها، بمعنى أنه بعد ثلاث سنوات من استفتاء عام 2016 أصبحت المملكة المتحدة الآن تحت رحمة الاتحاد الأوروبي كلياً، لكن رئيسة الوزراء تؤمن بضرورة التشبّث بموقفها وواجبها الأساسي في تنفيذ نتائج الاستفتاء، لذلك أعلنت في بيان بأن هناك فرصة لا تُقدّر بثمن لهؤلاء الذين يرغبون في أن تظل المملكة المتحدة جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وينبغي علينا ألا ندعها تفلت من أيدينا دون أن نستغلها لمصلحتنا. صحيح أن تيريزا ماي استطاعت الوصول إلى كوربين بعد طول عناء، لكن ذلك حصل لأنها أحسّت بأن زعيم حزب العمال يشاركها في رغبتها في نفض الغبار عن قضية البريكست في ظل حكومة المحافظين، فهذا الهرج والمرج هو بالتحديد ما لا يرغب كوربين في أن يرثه من حكومة ماي، ومن هنا جاءت الجهود المتعثرة التي تسعى الأطراف المتفاوضة من حزبي العمال والمحافظين للقيام بها لإيجاد بنية دستورية يمكن عرضها على أحزابهم، كالعضوية الدائمة في الاتحاد الجمركي، أو ربما العكس في الحصول على اتفاق تجارة حر.