دراساتصحيفة البعث

ترامب يحاول قتلكم!

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “ذا نيويورك تايمز” 4/4/2019

لا شك أن معظمنا يعرف مخاطر الغباء وقلّة الوعي المصاحبة له، وفي هذا مقولات لا حصر لها نطقتها ألسنة كثير من المفكرين والفلاسفة، ويأتي ترامب ليصعد مستوى جديداً في جهله وسعيه الأعمى نحو المكاسب المادية دون مراعاة آثارها الجانبية على من يُفترض أنه راعيهم.

لا نعلم الكثير عن الإرث الذي سيخلّفه دونالد ترامب، وبالطبع، ما سيحدث في انتخابات 2020 مهمّ للغاية، لكن هناك أمراً مؤكداً: حتى لو انتهت رئاسته بولاية واحدة، سيتسبّب ترامب بشكل مباشر أو غير مباشر بمقتل عدد كبير من الأمريكيين.

بعض هذه الوفيات ستكون على أيدي متطرفين يمينيين من العرق الأبيض، فهم يمثلون تهديداً سريع النمو، ويعود السبب جزئياً إلى أنهم يشعرون بأنهم يتمتّعون بدعم من رئيس يصفهم بأنهم “أشخاص طيبون للغاية”. ومصدر بعضها الآخر فشله في إدارة الحكم، مثل استجابته الهزيلة لإعصار ماريا، الأمر الذي ساهم بالتأكيد في ارتفاع عدد القتلى في بورتوريكو. (تنويه: البورتوريكيون هم مواطنون أمريكيون).

وبعضها سيأتي نتيجة الجهود المستمرة التي تبذلها الإدارة لتخريب برنامج أوباما للرعاية الصحية، حيث فشلت الإدارة في إلغاء تعديل القانون الصحي، ولكنها ماطلت في خفض عدد غير المؤمّن عليهم، وهذا يعني أن كثيراً من الناس لا يحصلون على الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها، بالطبع، إن سارت الأمور على هوى ترامب ونجح في إلغاء برنامج الرعاية الصحية تماماً، ستزداد الأمور سوءاً على هذه الجبهة. لكن من المرجح أن يكون مصدر أكبر عدد من الوفيات نتيجة لأجندة ترامب لتحرير الأعمال التجارية من القيود الحكومية، فهذه الإدارة انتقائية بصورة غريبة فيما يتعلّق بالصناعات التي لا تريد التدخل بشؤونها.

علينا أن نتأمل حدثين حديثين يساعدان في إيضاح الغرابة القاتلة لما يحدث، أحدهما هو خطة الإدارة بشأن مصانع معالجة اللحوم لسحب معظم المسؤولية الفيدرالية عن عمليات تفتيش سلامة الأغذية، ولم لا؟ ليس الأمر كما لو أننا رأينا أن مشكلات السلامة تنشأ عن التنظيم الذاتي في صناعة الطائرات على سبيل المثال، أليس كذلك؟ أو كما لو أننا واجهنا أي تفشٍ كبير للأمراض التي تنقلها الأغذية؟ أو كما لو كان هناك سبب تدخلت فيه الحكومة الأمريكية لتنظيم تعبئة اللحوم في المقام الأول؟. واليوم يمكنك أن ترى رغبة إدارة ترامب في الوثوق بصناعة اللحوم للحفاظ على سلامة لحومنا كجزء من الهجوم الشامل على التنظيم الحكومي، أي الرغبة في الوثوق بالأعمال التجارية الهادفة للربح في أن تفعل الشيء الصحيح. هناك سبب ما وراء هذا، لكنه ليس القصة بأكملها، كما يتضح من حدث آخر، ألا وهو تصريح ترامب الذي أدلى به منذ بضعة أيام بأن توربينات الرياح تسبّب السرطان.

والآن يمكنك نسب هذا الأمر إلى حالة خبل شخصي، لدى ترامب كراهية لاعقلانية لطاقة الرياح منذ أن فشل في منع إنشاء محطة لتوليد الطاقة بالرياح بالقرب من ملعب الغولف خاصته، ويبدو أن ترامب مشوّش وغير عقلاني في العديد من القضايا، لدرجة أن قيامه بادعاءات غريبة أخرى بالكاد يبدو مهماً.

والأمر أكثر من مجرد ادعاءات ترامبية أخرى، ففي آخر الأمر، عادة ما نفكر في الجمهوريين بشكل عام، وترامب بشكل خاص، كأشخاص يقومون بالتقليل من شأن أو إنكار “العوامل الخارجية السلبية” التي تفرضها بعض أنشطة الشركات التجارية، كالتكاليف غير المدفوعة التي تفرضها على أشخاص أو شركات أخرى. مثلاً، تريد إدارة ترامب إنقاص القواعد التي تحدّ من انبعاثات الزئبق من محطات توليد الطاقة، وسعياً منها لتحقيق هذا الهدف، تريد منع وكالة حماية البيئة من إلزام تلك المحطات بمراعاة العديد من الفوائد الناتجة عن خفض انبعاثات الزئبق، كانخفاض انبعاثات أكسيد النيتروجين.

ولكن عندما يتعلّق الأمر بالطاقة المتجددة، يشعر ترامب وشركاؤه فجأة بالقلق الشديد حيال آثار جانبية سلبية مفترضة، آثار لا توجد عموماً إلا في مخيلاتهم، ففي العام الماضي، طرحت الإدارة اقتراحاً من شأنه أن يجبر مشغلي شبكات الكهرباء على دعم الفحم والطاقة النووية، وكان الأساس المنطقي المفترض هو أن المصادر الجديدة كانت تهدّد بزعزعة استقرار تلك الشبكات، غير أن مشغلي الشبكات أنفسهم نفوا ذلك. لذلك فهو تحرير لبعض الشركات من القيود الحكومية، وهو في الوقت نفسه تحذير شديد اللهجة لأخرى بشأن تهديدات وهمية، إذاً ما الذي يجري؟!.

المال جزء من الجواب، فالمساهمات السياسية من صناعة معالجة اللحوم تُحابي الجمهوريين بشكل كبير، وشركات التنقيب عن الفحم تدعم الحزب الجمهوري بشكل حصري تقريباً، أما شركات الطاقة البديلة فتُحابي الديمقراطيين عموماً.

ربما ثمّة أمور أخرى أيضاً، إن كنت حزباً يتمنى أن يتسنى له العودة إلى الخمسينيات (ولكن من دون معدل الضريبة الأعلى الذي تبلغ نسبته 91%)، فستواجه صعوبة في قبول الواقع المتمثّل في أمور “سخيفة” كطاقة الرياح والطاقة الشمسية التي أصبحت تكلفتها التنافسية أكبر من أي وقت مضى. وأياً كانت دوافع سياسة ترامب، فإن الحقيقة هي أنها ستقتل الناس، وتوربينات الرياح لا تسبّب السرطان، بل إن محطات توليد الطاقة التي تعمل بحرق الفحم تسبّب السرطان والكثير من الأمراض الأخرى.