اقتصادصحيفة البعث

الأزمة حدت منه بنسبة 80 – 90 بالمئةالبيــــع بالتقســــيط يعــــود علــــى اســـــتحياء وينتقـــــي ســـــلعه ومســـــتهلكيــه

 

“اشترِ بالتقسيط المريح”.. “بدفعات شهرية حتى..”.. “بدون دفعة أولى”.. “التقسيط لدينا بسعر النقدي”… غيبت الأزمة هذه العبارات وغيرها عن الأسواق المحلية، والتي لطالما كثر تردادها خلال عقد من الزمن (2000 – 2010) على نحو واضح، فالبيع بالتقسيط كان منتشراً في غالبية الأسواق والقطاعات، فأدوات المطبخ والمكيفات والسيارات والمساكن وغيرها.. كلها بيعت على أقساط مريحة أو حتى متعبة..!
لماذا لا تشتري بالتقسيط..؟ سؤال يكافئ: لماذا لا تبيع بالتقسيط..؟ فلما كانت الشركات غير متشجعة -جراء تداعيات الأزمة طبعاً- على بيع منتجاتها بالتقسيط، فإن العميل والمستهلك لا يجدان مثل هذه الخدمة..الأسباب والمبررات كثيرة، فلا البائع يضمن استرداد ماله، ولا المشتري الذي عصفت بقوته الشرائية ريح التضخم وتذبذب أسعار الصرف وتغير أماكن سكناه يستطيع حسم معادلة سداد أقساط مشترياته..

هل من مصلحة للباعة..
قد يفاجأ البعض، وخلافاً للمتوقع، أن الكثير من الشركات تفضل البيع بالتقسيط على نظيره النقدي، وبالرغم من أن الشركة –نظرياً- تبقي الجزء الأكبر من قيمة السلعة أو الخدمة لدى العميل أو الزبون، إلا أن هذه الطريقة تضمن لها “إغواء” كبيراً يدفع الأخير نحو المزيد من الشراء، تحت تأثير تسهيلات الدفع من جهة، ورغبة منه بالاستحواذ على الجديد في الأسواق من جهة أخرى.
يقول مدير مبيعات إحدى شركات الأجهزة المنزلية: إن مبيعات التقسيط تتأثر بالأزمات على نحو سلبي، نتيجة عديد المعطيات، منها ضعف القوة الشرائية للعملاء والزبائن، وعدم استقرار سعر الصرف، وضعف المبيعات والتصريف، وكثرة التنقل وإغلاق منافذ البيع، وعدم استقرار الأسواق، فضلاً عن ضعف التصدير الناجم عن غياب الأسواق الخارجية، وغير ذلك من المعطيات الأخرى..
يستهدف مديرو التسويق والمبيعات عند اللجوء إلى البيع بالتقسيط تحقيق جملة من الأهداف، كبيع السلعة بأعلى من سعرها الحقيقي، على أساس أن الزيادة في السعر هي لقاء إطالة فترة السداد، وإقناع المستهلك بأن سعر السلعة أقل بكثير من منافعها الحقيقية، وزيادة الأرباح عبر زيادة المبيعات، وكسب الجولة على المنافسين الذين يصرون على البيع النقدي، وإمكانية تسويق منتجات متشابهة الاستخدامات والاحتياجات، كما هو الحال مثلاً في تسويق صلصة البندورة أو الكاتشب أو المايونيز مع الدجاج والمعكرونة، أو الزيوت والشحوم مع قطع غيار السيارات وهكذا..

خارج التغطية
يتندر باعة سيارات وأجهزة منزلية ممن التقتهم “البعث” عند إجابتهم على سؤال: لماذا لا تبيعون بالتقسيط حالياً..؟ ومن يضمن لنا أموالنا، وأين سنجد الزبون الذي اضطر في بعض الأحيان لتغيير حيه أو ربما محافظته غير مرة، وحتى لو قررنا البيع بالتقسيط أين هو الطلب، علماً بأن أسواق المستعمل أضرت بأسواق الجديد على نحو بالغ، ويقدر هؤلاء وغيرهم تراجع البيع بالتقسيط في البلاد جراء الأزمة إلى نحو 80 -90 بالمئة..
سبق لي أن اشتريت أغلب أغراض وأثاث بيتي بالتقسيط، وهو ليس بالطريقة المثلى للشراء، لكنها تبقى الطريقة المتاحة، فهي تخدم الطرفين البائع والمشتري، حيث ترفع المبيعات وتحد من ركود الأسواق، شريطة ألا يبالغ بالسعر الحقيقي للسلعة؛ لأن من شأن هذه المبالغة أن ترهق المستهلك، وتجعله غير قادر على السداد.. يقول أحمد عبد الله الموظف الحكومي الذي يصنف نفسه بـ”مدمن أقساط”..!
استقرار أسعار الصرف..
لقد توقف التقسيط تماماً بداية الأزمة، وساد البيع النقدي كأسلوب وحيد في التعامل، ولكنه عاد للتداول بشكل محدود خلال العام الفائت، عندما استقر سعر الصرف تقريباً حوالى٤٦٠ ليرة سورية للدولار الواحد، إلا أنه عاد للتراجع في الأشهر الفائتة، إثر تذبذب هذا السعر من جديد، وفقاً لما ذكر عضو مجلس غرفة تجارة دمشق رجل الأعمال منار الجلاد. ويرى الجلاد أن لا حدود لنوعية السلع والخدمات التي يمكن أن تباع تقسيطاً، ولاسيما الأجهزة الكهربائية والأثاث والسيارات والمساكن، فالتقسيط يحرك دورة الإنتاج، ويخلق ارتياحاً كبيراً في التعامل بين الأطراف جميعا، ولكن عندما لا يكون هناك استقرار في سعر الصرف يضعف أو ينعدم هذا النوع من البيع، سواء على مستوى مبيعات الجملة أم المفرق، فضلاً عن اطمئنان البائع لوجود وانتشار منافذ البيع والموقف المالي والسوقي للزبون..

اتجاه طبيعي..
في موازاة تنامي احتياجات أسرتي، وحيث إن راتبي لا يفي بتأمين هذه الاحتياجات، وجدت أن الاتجاه إلى الشراء بالتقسيط هو اتجاه طبيعي، لقد اشتريت ذات يوم غسالة أوتوماتيك بأقساط مريحة، وبالرغم من أن ثمنها زاد علي بنسبة 10 بالمئة، إلا أنني وجدتها أفضل من حلول الاستدانة بكل أنواعها ومصادرها.. يقول قيس أحمد الموظف في إحدى الشركات الخاصة. موظفون كثر عزفوا عن المشاركة في جمعيات الموظفين الشهرية، ولجؤوا إلى التقسيط بعد سنين طويلة من المشاركة في جمعيات مع زملاء العمل، ففكرة هذه الجمعيات لم تعد مجدية بنظر محمد الحسيني الموظف في القطاع العام، الذي يقول ما إن يصلني الدور في الجمعية، حتى أبدأ بالتفكير في السداد، أو أن السلعة التي أرغب بشرائها لم تعد موجودة في الأسواق، أو أن سعرها ارتفع..

لماذا نشتري تقسيطاً..؟
ثمة عديد الأسباب لشراء الزبائن بالتقسيط، منها عدم توافر الثمن النقدي للسلعة، وارتفاعه قياساً بدخل المستهلك، والرغبة في شراء أكثر من سلعة في آن معاً، كما في حالة الزواج، إضافة إلى الرغبة  في الاتجار في السلعة المشتراة، عبر إعادة بيعها للاستفادة من ثمنها، والتسهيلات التي تقدمها المؤسسات والمصارف، مثل عدم الدفع مقدماً، وتأجيل السداد، وارتفاع مستوى التعليم، فكلما ارتفع المستوى التعليمي للفرد تنوعت مطالبة واحتياجاته لاقتناء المزيد من السلع، إلى جانب التقليد، ومحاكاة الآخرين، ولاسيما نجوم الإعلانات والمشاهير، وانخفاض القدرة الادخارية لدى الفرد، والانتقال من الريف إلى الحضر.

نقاط القوة والضعف..
يختلف الاقتصاديون ودارسو الأسواق في رؤيتهم للبيع بالتقسيط لجهة تأثيراته الإيجابية والسلبية على ميزانية الأسرة، وقد وضع هؤلاء حدوداً للدين، الذي يجب أن تتحمله هذه الميزانية، باعتبار الشراء بالتقسيط هو دين في النهاية، مقدرين أنها يجب أن تراوح بين 10 – 15 بالمئة من دخل الأسرة، فإذا كان هذا الدخل 100 ألف ليرة مثلاً، فإن الدين المسموح به يجب ألا يتجاوز 15 ألف ليرة شهرياً. ويؤخذ على البيع بالتقسيط أنه يرفع معدل الاستهلاك السلعي الترفيهي، مثل شراء السيارات، وتمويل الرحلات السياحية، وتخصيص جزء من الدخل لدفع الأقساط، واحتمال ارتباط العميل بأقساط لأكثر من جهة، وزيادة الإنفاق على السلعة المقسطة، ووقوع بعض المشترين تحت تأثير بعض المستغلين، والعجز عن تسديد الأقساط؛ ما يؤدي إلى مخاطر وظيفية وقانونية، كما يتهم التقسيط بأنه يعرقل الادخار.
أحمد العمار