دراساتصحيفة البعث

الجولان: رؤية اقتصادية

باسل الشيخ محمد

يدرك القارئ جيداً أن مسألة عودة الجولان إلى سورية مسألة سيادة تحدّدها سورية حصراً، ويأتي هذا الاعتبار فوق وقبل قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 497 المتخذ بالإجماع عام 1981 الذي دعا الكيان الصهيوني إلى إلغاء ضم الجولان، إلا أنه نادراً ما يتم التطرق إلى الأهمية الاقتصادية لهذا الإقليم، التي تضاف إلى أهميته الجيوسياسية والوطنية.
يغدو الحديث عن الأهمية الاقتصادية للجولان أكثر إلحاحاً في زمن بات فيه الاقتصاد أحد المفردات المتكررة للسياسة العالمية والإقليمية على حدّ سواء، كما أنه لا بد من الإشارة إلى الغنى الطبيعي لهذا الإقليم السوري لفهم جزء من سياسة التوسع الطامعة للاحتلال من جهة، ولتسليط الضوء على الناحية الاقتصادية، إضافة إلى الناحية السيادية من جهة أخرى.
الثروة النفطية
بعد احتلال الجولان عام 1967 بدأت شركة “أوفيك” الإسرائيلية بعمليات تنقيب سرية عن النفط في الجولان، دافعها في ذلك هو خصوبة التربة البركانية وكثرة المغاور والتلال البركانية وهما أمران يشيران بداهة إلى وجود النفط في بقعة جغرافية معينة. قالت التقارير أواخر الستينيات: إن النتائج كانت مفاجئة حيث تبين أن الجولان يعوم على “بحر حقيقي” من النفط.
توقفت عمليات التنقيب تلك لدى بدء مفاوضات مدريد 1992، إلا أنها استؤنفت عام 1997 بعد وصول حزب الليكود إلى العمل بقيادة بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من أن القليل من الأنباء تحدّث صراحة عن نفط الجولان، إلا أن مجلة ايكونوميست نشرت عام 2015 مقالاً بعنوان “ذهب أسود تحت الجولان” بعد أن قامت شركة جيني إينيرجي genie energy بالتنقيب عن النفط في القطاع المحتل من الجولان.
لو توقفنا عند هذا المقال قليلاً، نجد أنه ورد “أن عمليات التنقيب الأميركية الإسرائيلية تؤكد وجود احتياطي هائل” على حدّ قول يوفال بارتوف كبير جيولوجيي الشركة، الذي قال حرفياً: “وجدنا طبقة نفط تبلغ سماكتها 350 متراً في جنوب الجولان، وهو ما يؤكد وجود كميات كبيرة جداً، لأن سمك طبقات النفط عالمياً هو بين 20 إلى 30 متراً، ما يعني 10 أضعاف المتوسط العالمي، وانطلاقاً من التقديرات التقريبية فإن وزارة الطاقة الإسرائيلية تحسب أن استهلاكها اليومي هو 270 ألف برميل، أي نحو 99 مليون برميل سنوياً، ما يعني أن مخزونات الجولان ستكفي لعقود”، وأضاف: “نحن نتحدث عن طبقات بسماكة 350 متراً، أي أن النفط في الجولان يعادل عشرة أضعاف كميات النفط في حقول الدول المجاورة”.
شركة أخرى سبق لها أن نقّبت عن النفط في الجولان هي شركة “أوفيك” الإسرائيلية، ولربط الأمور ببعضها يكفي أن نعلم أن المساهمين في الشركتين هم نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، ورئيس الاستخبارات الأميركية السابق جيمس وولسي، ورجل الأعمال اليهودي هاوارد جوناس، وروبرت مردوخ، الذي يشاركه جاريد كوشنر صهر ترامب، والذي كلفه ترتيب “صفقة العصر”.
ولعل هذا يبرّر تصريحات نتنياهو في شهر نيسان 2016 التي قال فيها: إن “إسرائيل” لن تنسحب من الجولان أبداً، لتبدأ حكومته بعد ذلك باتصالات مكثفة بإدارة ترامب –الحديثة العهد وقتها- من أجل الاعتراف بضم الجولان، بعد قرار الضم الصادر عام 1981 الذي قاومه أهالي الجولان بكل أشكال الرفض وعدم الاعتراف.
آخر عمليات التنقيب عن النفط جرى السنة الماضية عندما كشف خبراء من شركة “أوفيك” عن وجود مزيد من منابع النفط والغاز أيضاً في الجولان المحتل على عمق بسيط، ما حدا بوزير البنى التحتية الإسرائيلي إلى استصدار أمر من وزارة الطاقة في الكيان الصهيوني للبدء بالتنقيب في عشرة مواقع مختلفة في الجولان.
الماء والزراعة
لئن كانت حروب النفط هي أحد الأسباب الخفية لمعظم الحروب في الشرق الأوسط (ليبيا والعراق مثلاً)، إلا أن حرب المياه قد تكون أحد أهم بواعث الحروب المستقبلية.
لا تتوقف المطامع الإسرائيلية عند النفط في الجولان، بل تعدّته إلى الاستيلاء على مخزون مائي يبلغ أربعة مليارات متر مكعب من الماء في بحيرة طبريا وحدها، ناهيك عن مجرى نهر الليطاني وغزارة الهطل المطري الموسمي الواقع بين تدرج يبدأ من 1200 متر قرب قمة جبل الشيخ ليصل إلى ارتفاع 200 متر قرب منطقة الحمة.
المميز في هذا التكوين الجغرافي المتدرج نحو الجنوب هو أنه يشكّل خزاناً طبيعياً بسبب عدم انسياح المياه سطحياً نظراً لتقارب التلال في الجولان من جهة وعدم صبّ المياه في الوديان من جهة أخرى.
فضلاً عن ذلك، يقدّر معدل الهطل المطري في الجولان بما بين 800 -1000 ميليمتر في القنيطرة (التي ترتفع 941 متراً فوق سطح البحر) إلى 330 -450 ميليمتراً في منطقة فيق (بارتفاع 330 متراً فوق سطح البحر).
ولذلك سارعت اللجنة الصهيونية الاستشارية بعد صدور وعد بلفور إلى المطالبة بمنابع أنهار اليرموك والليطاني والأردن، معتبرة أن جبل الشيخ هو (أبو المياه) الحقيقي لفلسطين ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاصمة إلى جذور حياتها الاقتصادية بالذات “أي الكيان الغاصب”.
بعد عام 1948 ومن خلال مشروع (هايز) بدأ الكيان الصهيوني بتنفيذ مشروعاته المائية معتمداً على نهب قسم كبير من المياه من سورية ولبنان والأردن، بالإضافة إلى فلسطين، وقد نفذ مشروعين في “بيت جن” و”الجوخدار” في القنيطرة لاستجرار المياه منهما حارماً بذلك سكانهما من أهم مقومات الحياة.
إلى ذلك، تمضي السياسة الاستيطانية إلى ما هو أبعد من سرقة المياه لتتعداها إلى إقرار خطة تستمر حتى عام 2010، حيث ستتاح الأراضي المحتلة في الجولان أمام مزارعين إسرائيليين على حساب المزارعين السوريين هناك.
خلاصة القول هي أن للجولان مزايا اقتصادية مهمة تضاف إلى استراتيجية موقعه الجغرافي عسكرياً، وأن الكفاح لاستعادة السيادة عليه هو أيضاً نضال من أجل استرداد مقدرات الوطن الذي هو الأولى بها شرعياً ووطنياً.