دراساتصحيفة البعث

“الناتو”.. منظمة الرعب

علاء العطار

تأسّس حلف الناتو بذريعة توفير الأمن لأعضائه، رغم أن أبرز أعضائه يشكلون أكبر تهديد للأمن والاستقرار في العالم، كيف لا وهو حلف تتزعمه أكبر قوة إمبريالية في العالم، الولايات المتحدة. منذ تأسيسها لم تستند منظمة الرعب هذه إلى معايير أخلاقية، بل جرّت على معظم بقاع العالم ويلات وفواجع لا يمكن محوها من صفحات التاريخ، ولم تكن قوانينها سوى ذرائع لشنّ الحروب على من هبّ ودب، ورأت في الجميع أعداء رغم أنها العدو الأكبر لنفسها وغيرها.
تسبّب حلف الناتو ومن التفّ حوله من حلفاء بمقتل ما يزيد عن 20 مليون شخص منذ مجيئه إلى هذا العالم، وهذا الرقم يوازي ثلث من قُتلوا خلال الحرب العالمية الثانية. ومن المفارقة أن يعتبرَ الحلف السنوات السبعين التي مرّت منذ ولادته زمن سلم! عن أي سلم يتحدثون؟!.
هل فترة الحرب الباردة التي اصطنعها مع الاتحاد السوفييتي ودامت حتى عام 1991 تُعدّ زمن سلم؟! أم هي فترة من الترهيب والتلويح بعصا الحرب؟ كانت فترة تسلّح فيها الغرب بذريعة الحرب الباردة، وتعاظمت أرباحه خلالها، وعمل في تلك السنين على عرقلة أي تقدم اقتصادي للاتحاد السوفييتي، حليفهم في الحرب العالمية الثانية الذي فقد بسببها أكثر من 25 مليون شخص وتدمّرت بنيته التحتية الأساسية، وهو ما جعل من المستحيل عليه التركيز على التنمية الاقتصادية.
لم يكن هناك مبرّر آنذاك لكل هذه العدائية التي اختلقها الحلفاء تجاه الاتحاد السوفييتي، فهو من انتشلهم وغيرهم من براثن النازية، وهذه هي الحقيقة، رغم أن التاريخ الذي كتبه الغرب يروي قصة مغايرة، ونحن أكثر من يعلم أنه لا يمكن الوثوق بكتبهم التاريخية.
وليس ناتو اليوم والأمس سوى أداة بيد واشنطن لتحقيق أطماعها، وخاصة في تطبيقها “عقيدة مونرو”، واتضح الأمر بعد صعود ترامب إلى السلطة ومحاولاته المستمرة الخروج من معاهدة شمال الأطلسي، وكان ذلك نابعاً من شعوره بأن الولايات المتحدة قد فرغت من الحلف، فهل يا ترى سيتعلّم الحلفاء الدرس؟.
ولا يمكننا أن ننسى جرائم الناتو في سورية والعراق وليبيا وأفغانستان، التي استخدم فيها كل ما يمكن تصوّره من الأسلحة، وحتى المحظورة دولياً، كالقنابل العنقودية والنابالم واليورانيوم المنضب، وهي جرائم حصدت أرواح ملايين من الأبرياء.
وما تركيز ترامب اليوم على فنزويلا سوى هدف آخر لبلاده طمعاً بثرواتها من الهيدروكربون والمعادن، وهو الدافع الرئيسي لوجود الناتو في كولومبيا وربما في البرازيل قريباً، ولدى فنزويلا تحالف استراتيجي واقتصادي وعسكري قويّ مع روسيا والصين، ورغم صليل السيوف الصدئة التي يقرقع بها ترامب وبومبيو وبولتون، تقف روسيا والصين في وجه مؤامراتهم كسدّ منيع، فزمن القطبية الأحادية قد ولّى.
لدى الولايات المتحدة والناتو أكثر من ألف قاعدة عسكرية تتوزع في 100 دولة، وتكلّف الكثير لتسليحها وحمايتها، وهذه الأموال تصرف في سبيل ضمان استمرار دوران آلة القتل المسمّاة بالناتو، أي عكس ما يدعيه ذلك الحلف الفاشي الجشع بأن القواعد وجدت لتأمين الحرية والأمان والصحة والتعليم للشعوب، لكن تلك الشعوب تعلم أن أموالهم وثرواتهم هي الهدف المنشود، وهذه الأموال ستصرف في سبيل سن أنياب الناتو لينهش بلدانهم ويستعمرها ويستعبدهم.
ويسيطر الحلف على أدوات شتى، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ويستخدمها لتضييق الخناق المالي على الدول، بحيث تذعن وتبيع لهم مواردها بثمن بخس، وهذا هو شرك العولمة الذي وقع ضحيته العديد من الدول.
وهكذا أصبحت أوروبا مستعمرة أمريكية، فهل ظنّت الدول الأوروبية يوماً أن وجودها في حلف الناتو سيجعل لها كلمة أو رأياً فيه؟ بالطبع لا، فالرأي الأول والأخير لواشنطن، وهي من يُدير الدفة، وها هو ترامب وأتباعه يخرجون كل مرة بتهديد ووعيد جديد، فإما أن تدفع للناتو، أو أن العواقب ستكون وخيمة عليك، وبهذا أمسى الاتحاد الأوروبي دمية بيد واشنطن ويتلاعب الناتو بخيوطها.
والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي لم يكن فكرة الأوروبيين إطلاقاً، بل كانت فكرة “السي آي إيه” التي أقنع بها الأوروبيين الراغبين عن طريق إغرائهم بتأمين الحماية لهم من الاتحاد السوفييتي، وزرع ذلك في الغرب مخاوف لا تنتهي، فبات يخاف من روسيا ومن الصين، ومن ظله. وعليه بدأ الناتو يتحرك في كل حدب وصوب، ويصوّب نظره حالياً نحو بحر الصين الجنوبي وأمريكا اللاتينية، وتشعل هذه المخاوف في حلف الناتو رغبة في القتل والتدمير طال أثرها جميع أصقاع العالم.
ويحوم طوال الوقت خطر نشوب حرب نووية، ولاسيما أن سطوة اليمين المتطرف ارتفعت كثيراً في أوروبا والولايات المتحدة، وبات أسياد الحرب أشبه بأطفال يسهل استفزازهم للضغط على ذلك الزر الأحمر، متناسين أن ذلك سيضع نهاية للجنس البشري ككل، وليس لأعدائهم فقط.
وعلى الشعوب في الغرب أن تعي أن الخطر ليس من الشرق، ليس لدى روسيا أو الصين تاريخ توسعي، فهما يتبعان فلسفة مختلفة، إنهما يسعيان لخلق عالم متعدّد الأقطاب سيتيح للجميع، ولاسيما أوروبا، القدرة على امتلاك القرار والتحرر من إملاءات المتغطرس الأمريكي.
ومبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني قبل ست سنوات دليل دامغ على ذلك، فهي مبادرة تسعى لربط العالم بالبنى التحتية للتعليم والنقل والصناعة والبحث، وتعدُّ مشروع التنمية الاقتصادية الأكبر والأشمل في تاريخ البشرية، وتهدف إلى بناء “جسور تربط الشعوب، في حين يبني الغرب الجدران”، على حدّ تعبير أحد المسؤولين الصينيين.
لم تعد الصين وروسيا وحدهما في مواجهة هذا الكيان الخبيث، فقد أدركت العديد من الدول وخاصة الأوروبية منها الوهم الذي كانوا يعيشون فيه، وربما كان أكبر ما فتح أعينهم سلوك الرئيس الأمريكي المعتوه الذي مسّ أذاه الحليف قبل العدو المتصور. آن الأوان لنعيش في عصر يسوده السلام الحقيقي، ولنصل إليه على الدول في الشرق والغرب أن تتحد لتضع حداً لجرائم الناتو، وتقطع رأس الأفعى، الولايات المتحدة.