رأيصحيفة البعث

جمهوريات.. وممالك!!

 

 

تمرّ هذه الأيام ذكرى سقوط بغداد والقلب يعتصر ألماً على ما خلفه الاحتلال الأمريكي من حال القلق وانعدام الاستقرار ومن انتكاسات تجاوزت الحدود، بعد ما أعلن بريمر البيان رقم واحد، والمتضمن حل مؤسسة الجيش العراقي، وإحلال واقع جديد أدى إلى انتشار الإرهاب المدعوم أمريكياً والممول خليجياً وسهل تسلل نظام أردوغان إلى سورية تحت يافطة “الربيع العربي” وشعارات الحرية والديمقراطية فيما كانت الغاية الأولى منه ضرب مؤسسة الجيش العربي السوري آخر القلاع المدافعة عن الأمة.
واليوم ومع تسارع الأحداث في الجزائر والسودان وما يجري من محاولات في الشارع، لا يمكن بأي حال، أن تبرئ منها ذات الأيادي التي عبثت باستقرار سورية والعراق، نتساءل: لماذا تعصف الرياح فقط في جمهوريات الدول العربية، فيما تنعم الممالك بالهدوء والاستقرار؟! رغم أنها لا تزال تحكم بتشريعات القرون الوسطى ولا تملك دساتير ولا برلمانات ولا انتخابات، وما على الرعية سوى التسبيح بحمد الملك ومكرماته، فيما جيوشها، التي تعقد صفقات أسلحة سنوية تقدّر بمئات مليارات الدولارات لتسليحها، لم تشارك ولو شكلياً في أي من الحروب ضد كيان الاحتلال، بل إن بعض أنظمتها جاهرت بانحيازها لـ “إسرائيل” وحرّضتها على تدمير المقاومة في لبنان وفلسطين.
هناك ثمة من يعمل على استكمال ربيع الدمار والخراب، بربيع آخر، عبر إشغال المؤسسات العسكرية في مواجهات داخلية لحرف بوصلة الصراع عن العدو الأساسي، ورسم نقطة انطلاق جديدة لإعادة الأمور إلى المربع الأول، بعد فشل التنظيمات التكفيرية والإرهاب العابر للحدود في إسقاط الدولة الوطنية في سورية، وعدم قدرته على تحقيق أي من الأهداف الخبيثة المرسومة. وذلك لأن الغرب، ومن يمشي في فلكه، لم يسلّم بعد بالهزيمة، والتي ستكون لها انعكاسات وخيمة على دوره ليس في منطقتنا فحسب، بل والعالم برمته، ويحاول إذكاء النار في أي مكان ليس فقط في الدول العربية وإنما في كل بقعة من الأرض تناهض حكوماتها السياسات الأمريكية وتساند العرب في قضاياهم، وفي هذا الإطار جاء قرار ترامب الأخير بوضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأمريكية، بالإضافة إلى استغلال أي فرصة أو حراك في الشارع لخدمة المشروع القديم الجديد القاضي في تخريب الأمة وإضعافها كرمى لعيون “إسرائيل”.
المشهد لا يزال ضبابياً والتساؤلات تبقى الإجابات عليها مبهمة ريثما تتضح الصورة، وما يمكن قوله الآن: إن ما يجري في الجزائر والسودان شأن داخلي، ولا يحق للخارج التدخل حتى لو من قبيل “النصح”، كما فعل برنار هنري ليفي في الجزائر عندما طلب من المتظاهرين الاستمرار في الاحتجاج الذي يمهد إلى فوضى، وربما ينتقل غداً إلى السودان لإبداء الرأي، لهذا لابد من الحذر والاحتكام للغة العقل لإفشال ما يحضر في الغرف السوداء في البيت الأبيض وتل أبيب، والخروج من النفق المظلم بأقل الخسائر والانتقال نحو مستقبل مشرق يستحقه بالتأكيد شعبنا في كلا البلدين.
عماد سالم