ثقافةصحيفة البعث

الاحترام ومن ثم الإبداع

من باب الصدفة لا أكثر تسنت لي فرصة متابعة لقاء إذاعي مع أحد المخرجين السوريين، والذي رفض الإجابة على أحد الأسئلة المتعلقة برأيه بالأعمال الدرامية السورية التي تعرض على الفضائيات، وذلك اتقاء للمشاكل والخلافات مع زملائه باعتبارنا نرفض الرأي الآخر ونحن ندعي احترامه على حد تعبيره، وهذا ما جسده ذلك الممثل الذي تحول لمهنة الإخراج فيما بعد خلال أجوبته اللاحقة.

المخرج المذكور اعتبر أن كل ما قدمه من أعمال كانت متميزة خصوصاً أنه طرح المواضيع التي عالجتها مسلسلات أخرى بطريقة مختلفة عما قدم سابقاً، وهو ما لم يفعله أحد من قبله، واللافت أن المخرج الضيف قال أنه لا يتابع الدراما السورية منذ فترة وأنه يركز على المسلسلات الأجنبية، والنقطة التي استوقفتني كثيراً هي عندما قال أن السبب في انخفاض نسبة متابعة بعض الأعمال ومنها بعض أعماله يعود إلى انخفاض الذائقة الفنية للمشاهد، وبعد سماعي لذلك راودتني الكثير من الأسئلة منها: ما الجدوى من تقديم الأعمال الفنية ذات المستوى المرتفع طالما أننا نحكم مسبقاً على انخفاض ذائقة المشاهد؟ وإلى أي مدى يمكن لعمل درامي منفرد مهما بلغ من الكمال أن ينهض بذائقة المشاهد؟ وبالتالي ما الذي سيدفع المشاهد أصلاً لمتابعة عمل لا يلبي ذائقته في ظل وجود مئات المحطات وعشرات المسلسلات السورية والعربية؟.

يبدو أن هذا المخرج نسي بعد أن تحدث باسمه واسم المشاهدين والنقاد أن الجمهور يحترم المبدع المتواضع الذي يقدم نتاجه ليتحدث عنه الآخرون، وأن الحكم الأول والأخير على نجاح عمل أو فشله هو رأي الجمهور والنقاد وليس رأي مخرج العمل، لأننا لو بحثنا لن نجد مخرجاً يصف أحد أعماله بأنه سيء، ونسي أيضاً أن كل ما يقدم في عالم الإبداع حتى في ظل وجود بعض القواعد التي تحكم الفنون ليس سوى حالة من حالات التجريب التي تختلف من شخص لآخر، ولا توجد تجربة مكتملة أو عمل مكتمل وأتحدث هنا عن الفن، ولو حدث ذلك لوصلت الفنون إلى أفق مغلق ولكانت وقفت عند روادها الأوائل الذين خلّد التاريخ أسماءهم وأعمالهم وتجاربهم التي لم تتكرر إلى اليوم، ومن وجهة نظري الإبداع جميل، والأجمل هو أن يقترن مع التواضع واحترام من يقدم إليهم النتاج الإبداعي واحترام تجارب الآخرين، لأن كل عمل درامي جيد هو لبنة جديدة تضاف لرصيد الدراما السورية قبل أن تكون إنجازاً شخصياً منفرداً لأحد الكتاب أو المخرجين.

جلال نديم صالح