تحقيقاتصحيفة البعث

أيام لا تنسى الــثــورة الســـورية الكـــبــرى.. ملـحـمــة وطـنـيــة صـنـعـت الجــــلاء

 

عندما زار الرئيس شكري القوتلي سلطان الأطرش في بستانه احتار كيف يجلس بجانبه، فرفع منديلاً ووضعه تحته، فقال له الأطرش: لا تجعل شيئاً يفصل بينك وبين الأرض.

وطبعاً من هذه الأرض انطلقت الثورة من جبل العرب لتشمل سورية كلها، وكانت أولى القرى التي استجابت لنداء الشرف قرية أم الرمان التي رفعت أول بيرق في الثورة في العشرين من تموز عام ألف وتسعمئة وخمسة وعشرين، وعلمت فرنسا بوجود سلطان الأطرش في أم الرمان، فأرسلت طائراتها لقصف القرية، وكانت أولى عمليات الثورة العسكرية إسقاط طائرتين عسكريتين فرنسيتين، وأسر أحد الطيارين، وهاجم الثوار الحامية الفرنسية الموجودة في قلعة صلخد، وأحرقوا دار البعثة الفرنسية.

 

البعد الوطني للثورة

يقول عضو الجمعية التاريخية في السويداء فوزي الجرماني: في مؤتمر “ريمة الفخور” المنعقد بحضور ممثّلين من دمشق والجبل ومجاهدي الثورة قرروا متابعة الثورة حتى تنال البلاد استقلالها التام، وتسمية سلطان الأطرش قائداً عاماً للثورة، وتولية الدكتور عبد الرحمن الشهبندر إدارة الشؤون السياسية للثورة، وناطقاً رسمياً لها، وتشكيل قيادة الثورة من كل من: حمد عامر- فضل الله هنيدي- محمد عز الدين- عقلة القطامي-سليمان نصار- حسين مرشد- يوسف العيسمي- علي عبيد- قاسم أبو خير- علي الملحم، وأصدر سلطان الأطرش بيانه الشهير “إلى السلاح” تحت شعار: (الدين لله والوطن للجميع)، أما أهداف الثورة ومراميها فقد حددها سلطان بعدة مطالب أهمها وحدة البلاد السورية، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً، وقيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة، وكذلك سحب القوى المحتلة من الوطن، وتأليف جيش محلي لصيانة الأمن.

ويشير الجرماني إلى أن أهداف الثورة تحققت بفضل البعد الوطني الذي انطبعت به، وانطلقت الشرارة الأولى في السويداء، واتضحت معالمها وأهدافها بعد الانتصارات التي تحققت في معركتي الكفر والمزرعة، حيث برز في المعركتين مدى تمسك أبناء الوطن بأرضهم، واستعدادهم لبذل الأرواح من أجلها، ومن ثم جاء مؤتمر ريمة الفخور ليعطي البعد الوطني للثورة عبر تشكيل مجلس قيادة الثورة الذي ضم كافة أطياف المجتمع السوري، وممثّلي كافة الثوار في كافة المناطق، وبيّن الجرماني أن عبد الرحمن الشهبندر القادم من دمشق، والمتشبع بفكرة الوحدة العربية واستقلال العرب، وكان عقل الثورة السورية، والمفكر وكاتب أكثر بياناتها، التحق بصفوف الثوار بعد أن نجا من قبضة الفرنسيين، ولم يفارقهم إلا فترة قصيرة زار فيها الأردن.

 

الصرح يروي قصة الجلاء

الزائر لصرح الثورة السورية الكبرى في بلدة القريا بالسويداء يقرأ حكاية الجلاء كاملة عبر لوحته الجدارية التي نقرأ من خلالها انطلاقة الثورة السورية الكبرى من جبل العرب، وتوسعها وانتشارها لتشمل كافة المناطق السورية، يقول أمين الصرح فراس ملاعب: إن المتحف العام لصرح الثورة السورية الكبرى في بلدة القريا شاهد حي يروي مآثر الثوار وبطولاتهم في مواجهة الاستعمار الفرنسي، حيث يضم معالم وإنجازات الثورة والمقتنيات والأسلحة الحربية التي كان يستخدمها الثوار خلال مواجهة الاستعمار، والبيارق، والصور، والوثائق الخاصة التي واكبت الثورة السورية الكبرى، ويشير أمين الصرح إلى أن بناء الصرح يضم في قسمه الأرضي المتحف العام، بينما يشمل الجزء العلوي من البناء مساحات مخصصة لمشاهدة البانوراما الخارجية، وأبرز ما يحتويه هذا الصرح هو الجدارية التي تقع تحت القبة، والتي تضيء مراحل النضال في سورية، وتبلغ مساحتها الإجمالية 130 متراً مربعاً، وكذلك لوحات مكتوبة عليها أسماء الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن في كل أنحاء سورية بين عامي 1925 و1937، وعددهم 2522 شهيداً، والمتحف العام والخاص يضمان مقتنيات الثوار من وسائل قتالية بدائية استخدمت في مراحل الثورة، إضافة إلى مكتبة تحوي كل ما كتب أو سوف يكتب عن الثورة لتكون مركزاً بحثياً تاريخياً، وقاعة محاضرات تستوعب حوالي 310 أشخاص، يمكن أن تقام فيها أنشطة ثقافية تاريخية ترسّخ قيم ومبادىء الثورة في أذهان الأجيال القادمة، وأهم هذه القيم الوحدة الوطنية المتمثّلة بشعار الثورة: “الدين لله والوطن للجميع”، ووسط هذه المحتويات جميعها يشاهَد الضريح، حيث رفاة قائد الثورة السورية الكبرى المغفور له سلطان باشا الأطرش، وتحيط به البيارق من كل الاتجاهات.

وصية سلطان

ويتحدث حفيد قائد الثورة السورية الكبرى المهندس ثائر الأطرش عن المعاني والدلالات الوطنية والقومية التي حملتها الثورة السورية الكبرى فيقول: لقد آمن الثوار بوحدتهم وقوتهم وكرامتهم وإرادتهم في تحرير أرضهم المغتصبة، وبرهنوا للعالم أجمع أن الإنسان العربي يأبى الذل والهوان، ويدافع عن أرضه وكرامته بالغالي والنفيس ضمن وحدة وطنية قلّ نظيرها، هذه الصفات التي جمعت أبناء الوطن كانت الأهم التي ميزت الثورة السورية الكبرى عبر شعارها الشهير: “الدين لله والوطن للجميع” الذي اعتبره قائدها العام المغفور له سلطان باشا الأطرش مبدأ ونهج حياة وليس شعاراً فحسب، وكان لهذا الشعار الدور الكبير في توحيد صفوف الثوار السوريين بكل فئاتهم وأطيافهم على ساحة الوطن كله خلف هذا القائد في مقاومة الاستعمار الفرنسي الغاشم، حيث آمن ورفاقه بحرية الأمة العربية ووحدتها، وكان لهم  دور بارز مع كافة أحرار الأمة في الثورة العربية الكبرى، فكان فرسان جبل العرب بقيادته في طليعة الثوار الذين وصلوا إلى دمشق، ورفعوا العلم العربي فوق دار الحكومة فيها بالاتفاق  مع الشريف حسين للتدليل على عروبة الثورة.. وفي الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي كان بيان الثورة الأول الذي دعا فيه الشعب السوري إلى الانتفاض ضد الاستعمار مخاطباً إياه بعبارة: “يا أحفاد العرب الأمجاد”، تدليلاً على أن الثورة عربية، وكان من مطالب تلك الثورة في هذا البيان توحيد البلاد السورية، إضافة إلى شعارها آنف الذكر، وهذا موقف توحيدي لا تقسيمي، ووطني لا طائفي.

دروس الجلاء

ما يميز الشعب السوري أنه خير من يقرأ التاريخ، ويستفيد من دروسه من أجل الحفاظ على الاستقلال والحرية التي منحها له الأجداد، وفي ظل الحرب الكونية التي يتعرّض لها وطننا الحبيب، تدار في مقرات مخابرات الدول ذاتها التي مرغت أنوف قواتها في تراب وطننا، تبقى دروس وعبر الجلاء، وقصص البطولة التي رسمها مجاهدو الثورة السورية الكبرى في كافة بقاع الوطن والتراب المعطرة بدماء الشهداء، كلها حوامل نصرنا في تلك الحرب القذرة، كيف لا وقد اختلطت دماء الأحفاد بدماء الأجداد، وتعانق الجراح قلوب الأمهات في سماء الوطن لترسم ملامح النصر القريب.

رفعت الديك