دراساتصحيفة البعث

خيانة البريكسيت

ترجمة: علاء العطار
عن موقع “ذي أمريكان كونزيرفاتف” 14/4/2019
يوماً بعد يوم تنحدر بريطانيا إلى عمق جديد في دوامة الفوضى التي تسبّب بها البريكسيت، ويتصدّر المشهد السياسي في البلاد صدعٌ يتّسع كل يوم بفعل انعدام الثقة بالنخب الحاكمة التي خذلت من انتخبهم، وهو انقسام قديم جديد ظل خامداً إلى أن فجّرته فوضى البريكسيت ليغطي رماده سماء البلاد، فهل ستتمكن بريطانيا من الخروج من ظلمات هذا الليل؟.سيطر الشعور بالاشمئزاز والغضب والخيانة على المحتجين المؤيدين للبريكسيت الذين احتشدوا خارج قصر وستمِنستر، رداً على الفوضى البرلمانية المستمرة بشأن تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي. نُظمت المظاهرات في 29 آذار الماضي، وهو اليوم الذي كان ينبغي أن تغادر فيه المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، بعد ما يقارب ثلاث سنوات من الاستفتاء الذي صوّت الأغلبية فيه على الخروج بفارق أربع نقاط. وبدلاً من ذلك أمسى اليوم الذي توضّح فيه أن بريطانيا لن تغادر الاتحاد الأوروبي- على الأقل ليس في الوقت الحاضر، إذ وافق البرلمان على تمديد مهلة هذه العملية.
ولكسر الجمود، اجتمعت تيريزا ماي بقائد المعارضة جيرمي كوربين لصياغة صفقة لا يمكن وصفها إلا بأنها خروج بالاسم فقط، وهو خروج قد يكون أسوأ من مجرد البقاء في الاتحاد الأوروبي، ويبدو في الأثناء أن هناك تمديداً أطول في الطريق، وقد ينتهي الأمر بالمملكة المتحدة بالمشاركة في الانتخابات الأوروبية التي ستجري في شهر أيار القادم، ومسألة حدوث البريكسيت من عدمه لاتزال تنتظر إجابة.
وإن نظرنا إلى ما بعد تاريخ انتهاء البريكسيت، أياً كان ذلك التاريخ، لا يمكن اعتبار الفوضى التي نشبت في الأشهر القليلة الماضية إلا أنها مدمّرة لبلد عانى بالفعل من انقسام اجتماعي بين المناطق الريفية والمدنية وبين الطبقة العاملة والنُخب. وهناك طريقة أخرى للنظر إلى هذا الانقسام، بحسب وصف ديفيد غودهارت في كتابه الذي صدر عام 2016 بعنوان “The Road to Somewhere”، على أنه انقسام بين أولئك الذين يريدون مجتمعات محلية وهويات قوية ومستقرة، وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم “مواطنين عالميين”. تميل المجموعة الأولى إلى الشعور بالغربة في سياسة واقتصاد المعولمين، وتعتبر المجموعة الثانية الإقليميةَ وحتى الهوية الوطنية مجرد آثار من الماضي وأنها استفادت من العولمة والمنظمات فوق-القومية. ويشير غودهارت إلى أن معظم أفراد المجموعة الأولى من الطبقة العاملة والريفية، في حين أن معظم أفراد الثانية حضريون ومتعلمون بدرجة عالية ولهم تأثير كبير في المشهد السياسي اليوم.
كان التصويت على البريكسيت بمثابة انتصار لأي شخص من المجموعة الأولى، وهو انتصار المحلي على الدولي. بالتأكيد، كان العديد من الناخبين في استفتاء البريكسيت يؤيدون مغادرة الاتحاد الأوروبي لكي يتمكنوا من الانخراط بشكل كامل مع بقية العالم، لتصبح بلادهم “عالمية”. ولكن يبدو، على الأقل من الناحية السياسية، وكأن الناخبين اكتفوا من واقع أن تحكمهم منظمة تبعد مئات الأميال عنهم، حيث يتمّ هناك عادة اتخاذ القرارات بتكتم وبطريقة بيروقراطية وشبه ديمقراطية فقط. وبسبب هذا النظام فقد البريطانيون المزيد من السيادة على حياتهم.
بالنظر إلى ذلك ومحاولة ويستمنستر التراجع عن البريكسيت بالكامل، فليس من المستغرب أن يشعر البريطانيون أن الطبقة السياسية قد خانتهم. وقد أظهر استطلاع للرأي أُجري مؤخراً أن تسعة من أصل عشرة من الناخبين المؤيدين للبريكسيت يعتقدون أن المشرّعين خذلوهم، وباتت الثقة بالسياسة عند الكثيرين في أدنى مستوياتها على الإطلاق، والأهم من ذلك أن كل منطقة في إنكلترا وويلز باستثناء لندن تفضّل الخروج دون صفقة على البقاء لفترة أطول. ويعتقد اثنان وسبعون في المئة من الناخبين المحافظين أن الخروج دون اتفاق سيكون النتيجة الأفضل.
لن يتلاشى هذا الانقسام حتى مع نجاح البريكسيت وقدوم موضوع آخر يهيمن على النقاش السياسي في المملكة المتحدة. بدلاً من ذلك، سينتهي الأمر ببريطانيا بعد أن فقد الشعب الثقة في السياسة إلى أن تصبح دولة أكثر تمزقاً، بانفصال السياسيين عن ناخبيهم. ومن المفارقات أن هذا الانفصال هو أحد أسباب تصويت البريطانيين على البريكسيت في المقام الأول.