دراساتصحيفة البعث

ملامح انقسام في توجهات الاتحاد الأوروبي

باسل الشيخ محمد

هل للاتحاد الأوروبي فعلاً صوت واحد يعبّر عن إرادة موحدة تسعى نحو مشروع اتفق عليه الجميع؟. إن كان الجواب نعم فهل هدف هذا المشروع –أياً كان الهدف- باقٍ دون تغيير يطرأ عليه نتيجة لأي متغيّر كان؟.

عشية القمة الأوروبية المصغرة التي تناولت موضوع اللاجئين، تبيّن للمتابعين أن الدور الألماني كان مهمشاً خلال القمة، إضافة إلى مقاطعة عدد من دول الاتحاد الأوروبي للقمة، فضلاً عن تبادل الاتهامات بين إيطاليا وفرنسا.

أبرز هذه الاتهامات ما قاله وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني: “إذا لم تكن هذه مشكلة للرئيس ماكرون المتعجرف، فإننا ندعوه للتوقف عن الإهانة وليبرهن لنا كم هو سخيّ عبر فتح الموانئ الفرنسية العديدة، وليتوقف عن إعادة النساء والأطفال والرجال”. بدوره اتهم رئيس الوزراء الإسباني إيطاليا بمعاداة أوروبا لتقديم هذه الأخيرة لمصلحتها الوطنية الخاصة على الجهود الأوروبية المتفق عليها، مستطرداً بأن الدول الأوروبية هي الأخرى خذلت إيطاليا.

وغير بعيد عن تقديم المصالح الوطنية على المصالح الأوروبية، يأتي انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويأتي الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي حول العقوبات على إيران في سياق تباعد وجهات النظر الاقتصادية والسياسية للدول الأعضاء في الاتحاد.

لا يشير هذا إلى أن تفكك الاتحاد الأوروبي وشيك، كما أنه لا يشير أيضاً إلى قرب نشوب نزاع بين الدول الأعضاء، إلا أن نقطتين مهمتين سيواجههما الاتحاد الأوروبي خلال هذا العام، من شأنهما –على الأرجح- إعادة ترتيب نسق القوة السياسية الأوروبية في المدى المتوسط على الأقل. وهاتان النقطتان هما: تصاعد الشعبوية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

 

القطب الفرنسي- الألماني وجهاً لوجه مع الشعبوية

خلال تصاعد موجة الشعبوية الراهنة في الاتحاد الأوروبي، صرح أحد ممثلي الدول الأوروبية بقوله: “تمكّنت أوروبا حتى الآن من الصمود في الأزمات بفضل الثنائي الفرنسي الألماني، لكنها اليوم تتعرض لهجوم داخلي ومهدّدة بالانهيار”.

غير أن تصاعد الأصوات الشعبوية في فرنسا وألمانيا يأتي كعنصر لم يحسب حسابه الموقعون على اتفاقية ماستريخت في هولندا 1992، في ذلك الوقت تمّ التوقيع على قوانين المجموعة الأوروبية الذرية وعلى الدستور الأوروبي الذي أُقرّ عام 2004. ألزم اتفاق الاتحاد النقدي الدول الموقعة ببعض الشروط للحفاظ على استقرار اليورو.

ما لم يحسب الموقعون حسابه هو أن الاتحاد الأوروبي كفاعل دولي قد يتأثر بالأزمات الاقتصادية التي يتعرّض لها أي اتحاد سياسي، إذ أدى ضعف الأسواق المالية الأوروبية والتراجع في مؤشرات النمو الاقتصادي إلى تنامي البطالة في الدول الأعضاء –باستثناء ألمانيا-، وبدوره أدى تنامي البطالة إلى ميل شريحة واسعة من الشباب إلى الاهتمام بالخطاب الشعبوي الجديد، فلعله يحقّق ما لم تحققه الخطط الليبرالية التي راجت خلال أولى سنوات قيام الاتحاد.

نظرة عامة على اقتصاد بعض الدول الأعضاء ترينا أن ديون اليونان تبلغ 180% من ناتجها المحلي، تليها إيطاليا بنسبة 133%، ثم البرتغال 128% وإيرلندا 108%، أما بريطانيا التي تعتزم الخروج من الاتحاد فديونها واحد وتسعون بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وعليه، فإن المظاهرات التي تشهدها فرنسا ليست إلا ترجمة لواقع تراجع الواقع الاقتصادي الفرنسي، مع ملاحظة أن هذه المسيرات عبّرت عن سخطها إزاء أداء الدول الأوروبية، مطالبة في أكثر من مناسبة بالانفصال عنه.

بالنسبة لفرنسا كقطب أول في الاتحاد الأوروبي فإن “إرادة ماكرون في إعادة الاتحاد لم تلقَ أي أصداء خارج فرنسا” بحسب المحلّل البلجيكي لوكي فان ميلديلير، يرى مراقبون أن هذه الدعوة إضافة إلى دعوة فرنسا وألمانيا لتشكيل جيش أوروبي موحد كانت محاولة لإلهاء المحتجين بقضايا أكبر خارج بلادهم.

ومن جهة أخرى يصعب التكهّن بنتائج الانتخابات الألمانية وسط تصاعد صوت الحزبين الألمانيين “الديمقراطي والمسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي” من جهة كحزبين يتبنيان الخطاب الشعبوي، وحزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي حقّق مكاسب غير متوقعة بدخوله البرلمان الألماني وتهديده بتغيير سياسات الهجرة إلى ألمانيا، وعلى الرغم من أنه لم تمضِ على تأسيس هذا الأخير إلا سنوات أربع، إلا أنه تمكن من شغل 92 مقعداً في مجلس النواب، ليشكّل أكبر قوة نيابية معارضة تتميز –إلى جانب الشعبوية- بإدخال لغة الشتائم والاستفزازات اللفظية داخل مجلس النواب الألماني.

القطبان إذن على موعد مع تغييرات داخلية، قد تفضي –على أقل تقدير- إلى مراجعة بعض السياسات التي ألزم بها اتفاق الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء.

البريكست من وجهة نظر أخرى

يرى مراقبون أن البريكست يعكس مدى تخوّف النخب الاقتصادية البريطانية من ارتفاع حجم الديون من جهة، ورغبة تلك النخب في استثمار الناتج القومي المحلي البريطاني من جهة أخرى. ولعلّ الآراء التي تقول إن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عواقب غير حميدة، إلا أن رأياً آخر يقول إن البقاء فيه أو الخروج منه أمران أحلاهما مرّ.

لكن ماذا إن ثبتت صحة الرأي الذي يقول إن خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون ذا عواقب وخيمة على قطاعي الاستثمار والأعمال البريطانيين، وماذا إن ارتفعت مؤشرات البطالة فجأة بعد انتهاء عقود البريطانيين في الدول الأوروبية وأصبحت إجراءات الاستيراد والتصدير غير سلسة كما كانت أيام عضوية بريطانيا في الاتحاد… هل سنشهد موجة شعبوية أخرى؟. بمعنى آخر: هل سيتمكّن حزب الاستقلال البريطاني اليميني –الذي نجح في حشد الأصوات لصالح البريكست- من ركوب موجة الاستياء البريطاني من موجة المهاجرين ليؤثر على الحياة السياسية البريطانية بما ينعكس سلباً على التوجّه البريطاني في سياق السياسة الخارجية؟.

الظروف الجارية حالياً تنبئ بولادة ثقافة جديدة وحزب في المملكة المتحدة، خاصة وأن وصول ممثل حزب ثالث إلى مجلس العموم (غير المحافظين والعمال) تميّز بكسب الأصوات عبر خطاب شعبوي.

وبغضّ النظر عما إن كان هناك واقع سياسي جديد يولد في أوروبا أم أنه سيُحتوى بشكل ما أو بآخر، فإن الأحزاب اليمينية عموماً تتخذ مواقف استغلالية ضد الدول النامية، تصبح هذه المواقف عدائية في بعض الأحيان دون سبب إلا الهياج الممنهج لكسب مزيد من الأصوات!.