اقتصادصحيفة البعث

الأصفر الذي يوصف بأنه “زينة وخزينة”! غرام الذهب يلامس حافة الـ 20 ألف ليرة… والصناعة تفقد بريقها

الأزمة وأسعار الصرف ونقص الكوادر ورسم الإنفاق “فرملت” عجلات السوق عندما يدور الحديث عن الذهب في بيوت وجلسات السوريين، فإن ثمة مقولة سرعان ما تحضر لتختزل تاريخاً راسخاً في ثقافتهم.. فهو لديهم (زينة وخزينة)؛ لأن قيمته الجمالية اقترنت دائماً بنظيرتها الادخارية، كما احتفظ وحافظ على هذه القيمة عبر العصور، حتى مع خبث (الخديعة الأميركية) لشعوب المعمورة، عندما أطل علينا (بنجامين فرانكلين) عبر العملة الخضراء، إثر استبدال بلاده للدولار بالذهب، بموجب معاهدة “بريتونوودز”، التي سحبت الذهب من التداول المباشر بين الناس ووضعت الأوراق النقدية بدلاً عنه، ليكون الأميركان بذلك قد سرقوا مدخرات الأمم من المعدن النفيس وأعطوها أوراق الدولار…!

إلى تراجع..

لا تشي الوقائع بأن شيئاً من تعلق السوريين بالذهب قد تغير، بيد أن التغير طال الصناعة نفسها هذه المرة، والتي لا تبدو اليوم على ما يرام، وفقاً لما يقول أصحاب الكار، الذين يؤكدون أنها إلى تراجع، وذلك تحت تأثير تداعيات الأزمة وتذبذب أسعار الصرف ونقص الكوادر ورسم الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية، وغيرها من العوامل التي (فرملت) عجلات السوق، حسبما يقول الصائغ جورج داوود..

ويضيف داوود متندراً: عندما يعرف أحدهم أنك تعمل صائغاً يغبطك على مهنتك؛ لأن الناس اعتادت أن تنظر إلى الصياغ على أنهم أثرياء ومكتفون مادياً، ولكننا في الواقع لسنا كذلك، وإن كانت هذه الرؤية صحيحة فيما مضى، إلا أنها أصبحت مختلفة اليوم، فرأس المال الذي نعمل به مقترض، ويقتسم عديد الأسر عوائد الورشة أو المعرض، ثم تأتي تكاليف العمل والإنتاج لتحد من الأرباح، كما أن مهنة الصائغ ليست مربحة حتى بالمقارنة مع مهن أخرى تبدو بسيطة جداً، أو ربما غير مستساغة، ولاسيما عند النظر لرأس المال المستثمر فيها، فمثلاً تكلفة تشغيل كغ واحد من الذهب تصل إلى 20 مليون ليرة سورية، يربح 100 ألف ليرة؛ لأن الغرام الواحد يربح مئة ليرة، بيد أن المشكلة ليست هنا، بل في الوقت اللازم لبيع هذه الكمية، والتي قد تستغرق شهراً إلى شهر ونصف، فمن يصدق أن مهنة الصاغة تربح مثل هذه الأرباح المتواضعة..؟!

نقص مواد

يشكو الصائغ إلياس عبيد من صعوبة الحصول على المواد الأولية اللازمة للصياغة، فهناك ندرة في بعض هذه المواد كالنحاس وماء الفضة، الذي يستخدم لتخليص الذهب من النحاس، كما أن بعضها الآخر يدخل الأسواق مهرباً.. وفي موازاة نقص المواد هناك مشكلة في عدم وصول الذهب (الدمشقي) إلى بعض المناطق الشرقية والشمالية، فيما يهرب الذهب العراقي والتركي إلى أسواق دمشق والمنطقة الجنوبية، ما ينعكس على حركة الأسواق هنا، ويحد من المبيعات والأرباح، ويهدد كثيراً من الورش والمعارض بالإغلاق..

وتراجع خلال السنين الأخيرة الطلب على المشغولات الذهبية لصالح ارتفاعه على الليرات والأونصات، وهو أمر يعزوه بعض الصياغ إلى الرغبة في الادخار وسهولة التصنيع ورخصه للأخيرتين، حيث لا تتجاوز أجور التصنيع الـ500 ليرة، فيما يقترح بعضهم حلولاً لإنعاش السوق كصناعة مشغولات بعيارات أقل مثل: 18 أو 14 أو 12، كما هو معمول به في الدول الغربية.

رافدة للدخل

تعد صناعة الذهب إحدى الصناعات المهمة والرافدة لاقتصاد البلاد، بالرغم من تواضع عوائد هذه الصناعة حتى الآن، حيث لم تتجاوز أجور التصنيع في مرحلة ما قبل الأزمة سنوياً الـ200 ألف دولار، علماً بأنها من أرخص الأجور حول العالم، فهي لا تتجاوز للغرام الواحد النصف دولار، كما يقول الرئيس السابق للجمعية الحرفية للصياغة والمجوهرات الصائغ جورج صارجي، الذي يرى أن الذهب ثروة قومية وملاذ آمن للأفراد والمجتمع، فاستيراد ألبسة وعطور بمليار دولار مثلاً، يعني إتلاف هذه الأموال بتلف المستوردات نفسها، أما استيراد ذهب بمليار دولار، فيعني أن تصبح قيمته بعد عام 1.2 مليار دولار.

ويؤكد صارجي بأنه من الصعب تقدير كميات الذهب لدى الناس بعد الأزمة، أما قبلها فكانت الكمية تتجاوز المئة طن 10 بالمئة منها لدى الصاغة، و90 بالمئة لدى المتعاملين. وفي الوقت الذي توجد لدى سورية احتياطات من الذهب تقدر بـ 25 طناً، فإن نائب رئيس الجمعية إلياس ملكية يقدر الكميات المتداولة لدى هؤلاء المتعاملين بأضعاف هذا الرقم، فقد كانت دمشق وحدها تستهلك حوالى /300/ كغ شهرياً، وكمية الذهب المتداولة في حالات الركود تتراوح بين /7-8/ كغ، فيما أثناء النشاط بين 30- 40 كغ، وتنتعش الأسواق عادة إثر انتهاء المواسم الزراعية في المناطق الشمالية والشرقية، حيث يقدم الذهب هناك مهراً للعروس.

ليس ذهباً..

دخلت في السنوات الأخيرة إلى الأسواق المحلية أنواع رخيصة من الحلي باتت تعرف بالذهب (البرازيلي) و(الروسي)، وحققت مبيعات كبيرة نظراً لرخص أسعارها، إلا أن الجمعية لا تعترف بها ولا تسميها ذهباً، وتحاسب الصائغ الذي يتعامل بها، وفقاً لما يقول نائب رئيسها إلياس ملكية، الذي أكد أنه لا يجوز للصياغ ترويج مثل هذا “لذهب”.

الصناعة تتآكل…!

أدت تداعيات الأزمة إلى إغلاق الكثير من الورش وخروج الصياغ خارج البلاد، فمن أصل نحو 700 ورشة قبل الأزمة، هناك اليوم حوالى 300 منها تمارس المهنة، علماً بأن هذا العدد انخفض خلال الأوقات الحرجة من الأزمة إلى قرابة الـ 40، كما يفيد ملكية، الذي يؤكد وجود 3000 منتسب للجمعية حالياً، ولكن قسماً كبيراً منهم لا يمارس النشاط فعلياً، وفي حال لم يتم تحفيز ودعم الورش النشطة، فإن جزءاً منها قد يتوقف عن العمل.

معضلة الرسم

تبدي أوساط الصاغة عموماً امتعاضاً شديداً من رسم الإنفاق الاستهلاكي، الذي فرض على صناعة الذهب مؤخراً، وأسهم في تراجع أرباحها على نحو واضح، فهذا الرسم كما يراه ملكية وعضو مجلس إدارة الجمعية غسان طنوس وصياغ آخرون، بات يشكل عبئاً كبيراً على أنشطتهم، فالصائغ الذي ينتج 3000 ليرة، يربح منها 300 ليرة، فيما نصيب وزارة المالية 500 ليرة..!

وتتقاضى الوزارة من الجمعيات الحرفية في دمشق وحلب وحماة ١٥٠ مليوناً تدفع منها دمشق ٨٣ مليوناً وحلب ٦٠ مليوناً وحماة ستة ملايين، وتشكو الجمعية من أنها باتت تستدين من بعض الصياغ لسداد هذا الرسم، بعد أن استهلكت فائضاً كان لديه قبل الأزمة ووصل إلى 70 مليوناً، وتنتظر أوساط الصاغة نهاية النصف الأول من العام الجاري كموعد تأمل أن تعيد فيه الوزارة النظر بهذا الرسم، لرفع الصمام عن المرجل، حيث من غير المقبول أن تحقق المالية عوائد أكثر من الصائغ نفسه..!

مهن مساندة

ترتبط صناعة الذهب بما يقارب 10 مهن يدوية رئيسة كتصنيع القوالب، بيع عدد الصياغة، النقاشة، أصحاب المحال، تركيب الأحجار الكريمة، تلميع الذهب، وتتمثل قيمة الذهب الاقتصادية في إعادة استخدامه مرة أخرى، وذلك بصهره وإعادة تنقيته، ففي الفترة من 2003-2007، أسهم الذهب المعاد تدويره بحوالى 26 بالمئة من تدفقات المعروض السنوي العالمي.

إلى ذلك..

يتم استخراج الذهب من المناجم الموجودة في القارات جميعاً باستثناء القارة القطبية الجنوبية، حيث لا يسمح بالتعدين فيها، وهناك نحو 400 منجم للذهب حول العالم، وتسهم دول شرق آسيا وشبه القارة الهندية والشرق الأوسط بنسبة 72 بالمئة من الطلب العالمي، بينما تسهم الهند وإيطاليا وتركيا والولايات المتحدة والصين بنسبة 55 بالمئة من هذا الطلب. وتتحكم مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة في كل سوق من أسواق هذه الدول، ويوفر الذهب فرصًا أفضل للتنويع مقارنة بالكثير من الأصول البديلة، وحينما يلحق الفشل بهذه الأصول وأساليب التنويع التقليدية أثناء الأوقات، التي تعاني السوق فيها من الضغوط وعدم الاستقرار، يكفى أن تتضمن المحفظة المالية الذهب، ولو بنسبة قليلة، كي يتحسن أداؤها.

احمد العمار

——

كسر القيود

يتجدد الموعد مع معرض حلب الدولي في دورته الثانية المقام حالياً في المدينة الرياضية في الحمدانية بحلب وسط تحديات كبيرة يواجهها اقتصادنا الوطني جراء الحصار الاقتصادي الجائر والظالم المفروض على الشعب السوري من قبل قوى الشر والعدوان العالمي، والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية خدمة للمصالح الصهيونية في المنطقة.

ولعل التأكيد على إقامة هذه التظاهرة الاقتصادية في نفس الموعد وفي هذه الظروف الاستثنائية، يضاف إلى ذلك تنوع واتساع المشاركة المحلية والعربية والدولية إلى أكثر  من ( 500 ) شركة، يشكل تحدياً حقيقياً على طريق كسر الحصار والقيود المفروضة، وهو بمثابة امتحان جديد لصناعتنا ومنتجنا الوطني لكسب الرهان وتجاوز كل المعوقات والمحن، وبالتالي الحفاظ  على حيويته وإنتاجيته، ليشكل على الدوام  الرقم الصعب في كل المعادلات والحسابات التي تشكك بقدرة أبناء الوطن على مواجهة التحديات والمخاطر التي أفرزتها الحرب الإرهابية الشرسة، والمساهمة الفاعلة والناجزة في مشروع التعافي والنهوض، وتسريع عودة عجلة الإنتاج والنمو في مختلف الجوانب وخاصة في القطاع الاقتصادي بشقيه الصناعي والتجاري والذي يعد أهم ركائز النهوض والحامل والرافع لمشروع تعافي الاقتصاد الوطني، والمطلوب أن يكون متناغماً ومنسجماً مع مفردات العمل المتكاملة والمتوازنة الداعمة لعملية إعادة الإعمار، والتي نرى أنها تتسارع خطواتها ومساراتها في مختلف جبهات العمل على مستوى تنفيذ المشاريع الاستراتيجية والحيوية، والمتوقع أن تحدث لاحقاً فارقاً واضحاً ونوعياً في المشهد العام لمحافظة حلب.

وبما أن المعرض الدولي ببعده الاقتصادي والاجتماعي والحضاري أصبح جزءاً من هوية وملامح المدينة راهناً ومستقبلاً، نأمل أن يحقق الثقل المطلوب على مستوى توطين الصناعة والإنتاج، وأن يشكل قاعدة مهمة للاستثمار المستقبلي وجذب رؤوس الأموال المهاجرة، والأهم أن يشكل النافذة الحقيقية والبوابة الواسعة لخروج المنتج الوطني من حالة الركود والركون والتداول المحلي إلى فضاء التصدير والترويج والتسويق في الأسواق الدولية والعالمية، وأن يكون مناسبة للإضاءة على أهم الفرص الاستثمارية المتاحة في حلب في مختلف القطاعات وخاصة في القطاع التقني والتكنولوجي، وملف الاستثمار السياحي والتطوير العقاري، ومحرضاً ومحفزاً إضافياً لتعزيز دور حلب كعاصمة للاقتصاد والصناعة، وبما يؤسس لمرحلة جديدة أكثر نهوضاً ونماءً وقدرة على مواجهة التحديات والأزمات.

معن الغادري