أخبارزواياصحيفة البعث

يالطا … يالطا!…

د. مهدي دخل الله

لعل مدينة يالطا أشهر مدينة صغيرة في العالم، فيها دائماً تُرسم الأقدار، وتُوضع الخطط التي تحدد مصير دول وأمم كثيرة..

هذا الرمز الذي اسمه يالطا طالما أشغل الرأي العام، ويكفي أن تذكر اسم هذه المدينة حتى تشعر بأن حدثاً ما  ذا أبعاد دولية يتم هناك..

آخر يالطا كان مؤتمراً اقتصادياً، حضره مسؤولون ورجال أعمال من 89 بلداً شرقاً وغرباً، منها وفود دول أوروبية متطورة كألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا.. الوفد السوري كان كبيراً، ضم 28 شخصية من رجال الأعمال، إضافة إلى وزراء ومسؤولين حكوميين.

والرمز لا يقتصر على اسم المدينة، وإنما على وضع جزيرة القرم من جهة، ووضع الاقتصاد العالمي من جهة أخرى، حيث تحاصر “الانعزالية الأمريكية الجديدة” روسيا وإيران وسورية وفنزويلا، وكل من يجرؤ على أن يقول لا للغول الأمريكي.

بالنسبة لسورية تم التوقيع على اتفاقات شراكة مهمة نرجو أن يتم تنفيذها، وألا تبقى مجرد توجهات وحبراً على ورق..

المؤتمر الاقتصادي انعقد في القاعة الشهيرة، حيث اجتمع الكبار الثلاثة، ستالين وروزفلت وأيزنهاور، أسبوعاً كاملاً (من 4 حتى 11 شباط 1945) ليقتسموا أوروبا بعد انتصارهم على هتلر والنازية.

الهدف كان انتقام ستالين لستالينغراد، وانتقام روزفلت لبيرل هاربر، وانتقام تشرشل لقصف لندن. أما أمم أوروبا وشعوبها فلم يكن يهتم بهم أحد، حيث قسّمت الأمة الألمانية إلى دولتين، ورسمت الحدود وفق وجود الجنود، لا وفق طبيعة الأشياء..

لم يقف ترميز يالطا عند هذا الحد.. في الستينيات اقتطع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف يالطا مع شبه جزيرة القرم كاملة من روسيا، وأعطاها لأوكرانيا. كان البلدان عندها يتبعان بلداً واحداً هو الاتحاد السوفييتي، لذلك كان الموضوع وكأنك تغيّر في حدود ولايات تابعة لدولة واحدة، إضافة إلى أن خروتشوف نفسه كان أوكرانياً. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحوّل أوكرانيا إلى دولة مستقلة أضحت روسيا بلا شبه جزيرة القرم، أي أنها خسرت عملياً القدرة على مراقبة البحر الأسود وفيه أسطولها الشهير المسمى باسم البحر نفسه.

وقّعت روسيا مع أوكرانيا اتفاقاً لاستضافة أسطولها في القرم، لكن الحسرة بقيت لدى الروس على فقدان شبه جزيرة القرم وجوهرتها يالطا.

عندما غزت “الفوضى الخلّاقة” الأمريكية أوكرانيا أسرع الروس باسترداد شبه الجزيرة، وعززوا حلفهم الجيوسياسي مع أبخازيا بما يسهم في تعزيز وجودهم في البحر الأسود الذي – للأسف- تسيطر تركيا والناتو على مخرجه باتجاه المياه الدافئة(المتوسط) في مضيقي البوسفور والدردنيل.