الصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

لن تستسلم الشعوب أمام الغطرسة الصهيوأمريكية

 

يمتشق ترامب قلمه “الأسود” ليوقّع قراراته الصافعة لوجه شعوب العالم في مسألة القدس، والجولان، وانتهاء الإعفاءات الممنوحة للنفط الإيراني… إلخ، غير آبهٍ بمفاهيم السيادة، والاستقلال، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، بل ضارباً بعرض الحائط إرادة الشعوب وحريتها وحقوقها، ممثلاً بذلك النزوع الاستعماري “ما بعد الجديد”، على غرار ما بعد الحداثة، يختزل فيه نمطاً آخر جديداً “للامبريالية المتوحشة”، وذلك في انحيازه السافر للمشروع الصهيوني.

فتتواصل قراراته الغرائبية الداعمة للمشروع الصهيوني في المنطقة والعالم بشكل غير معهود في تاريخ هذا المشروع المعادي تاريخياً والمناقض تماماً للمشروع الوطني والقومي العربي. ومما يزيد المسألة تعقيداً وحماقة انغماس بعض النظام الرسمي العربي وتأييده لانحيازه للمشروع الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر.

لم يتوقع الصهاينة، ولم يحلموا، بأن تحقق لهم أي إدارة أمريكية ما حققته إدارة ترامب في قفزة زمنية في تاريخ يُختصر فيه زمن الصراع، فيجعل مقياس سياسة الإدارة الأمريكية محمولاً على “المعيار الصهيوني” سواء في العلاقات مع الدول العربية، أو مع إيران، أو مع محور مقاومة المشروع الصهيوني. فمثلاً شروطه الاثنا عشر في الموافقة على الاتفاق النووي مع إيران تُختزل بالإجهاز على مشروع المقاومة لا غير.

ولكن هناك آراء عديدة عن الباحثين “الإسرائيليين” ترى في قرارات ترامب تسرّعاً يحرج “إسرائيل” نفسها أمام المجتمع الدولي ويعرّيها، وتتلخص هذه الآراء بأن الوقت لايزال مبكّراً، ولا داعيَ لهذا التسرّع والإحراج والغطرسة، ما دفع ترامب لأن يعلن بُعيد قراره بضم الجولان بأنه: “لا يفهم في التاريخ”. وهذا حقيقة فهو لا يفقه في التاريخ، ولا في المستقبل.

سيرى ترامب، وخلال سنوات أقل من عدد أصابع اليدين، مآل قراراته وخير دليل وقائع اجتماع مجلس الأمن الأخير بشأن الجولان، وتنامي الرفض لقراره وقف الإعفاءات الممنوحة للنفط الإيراني من قبل الصين وتركيا والمفوضية الأوروبية.. إلخ مما سيترتب عن ردة الفعل الإيرانية المتوقعة، والتي طالما نجح الرهان عليها نظراً إلى ما تمتلكه من حق، ومن قوة.

يعتقد ترامب ومعه الصهاينة، وبعض النظام الرسمي العربي أن الشعوب العربية والإسلامية، وأحرار العالم قد يتفهّمون هذه الغطرسة ويتراخون أمامها مع مرور الزمن، ويتناسون قرار الأمم المتحدة رقم 3379 في 10/11/1975 القاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية واعتبارها شكلاً من أشكالها، بعد أن “انجرف” العرب في مشروع السلام المخاتل انجرافاً أدّى وللأسف إلى إلغاء الأمم المتحدة لهذا القرار في 16/12/1991، ولا سيما أنه كان بإمكان الجامعة “العربية” أن تعيد مطالبتها للأمم المتحدة بالعودة إلى القرار الأول بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي “قانون الدولة القومية للشعب اليهودي” في 19/6/2018، هذا القرار الذي يؤكد من جديد وبشكل أكثر سفوراً وبشاعة عنصرية الكيان الصهيوني، لكن الجامعة وأمانتها العامة الأسيرة والمأجورة اليوم “للخليجية السياسية” مشغولة بانزياح الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي إيراني على حد التصريح الوقح لـ أبو الغيط مؤخراً لقناة صدى البلد من أن “الدول العربية غير متأكدة من أن المقعد السوري في الجامعة لن تشغله إيران”؟!.

فلا يجوز لعاقل أن يظن أن إدارة ترامب التي تزمع قريباً الإعلان عن صفقة القرن ستكون بعيدة عن انتهاك حقوق الإنسان، والقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، ولاسيما في مسألة “حق العودة” الذي أكدته الجهود العربية السورية أثناء مبادرة السلام العربية في قمة بيروت آذار 2002، و”حق العودة” يتناقض تماماً مع “قانون القومية اليهودي”، وهو مقر في ميثاق الأمم المتحدة الصادر في 10/12/1948 ويعترف: “بالحق الطبيعي لكل فلسطيني سواء ملك أرضاً أم لم يملك، فله الحق في المواطنة والأرض والهوية التي فقدها وفي انتمائه إلى وطنه، حق غير قابل للتصرف”، لكن الصفقة لن يكون أمامها من سبيل إلا “التصرّف”، وانزياح هذا الحق إلى “الوطن البديل” الناجم عن الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلّاقة، و”الربيع العربي”، وثم “صفعة القرن”.

وعلى العالم أجمع أن يدرك ويتيقّن من أنه لا وجود عروبياً ولا إسلامياً بمعزل عن مركزية القضية الفلسطينية التي هي “رمز العدالة والحقوق في هذا العالم”، فلن تنسى شعوب العالم تعاطفها الطويل وانتصارها لهذه القضية، وعلينا أن ندرك أن الخط المنحني لسيرورة المشروع الصهيوني وصل إلى ذروته، وعمّا قريب وبمنطق التاريخ سيبدأ بالانحدار، وأن المشروع القومي العربي – وإن أصابه الضعف والخلل – لن يسقط الرهان عليه، فالتواصل بين الجماهير العربية مستمر وواعد وآخذ في التطور نحو الأفضل بعكس النظام الرسمي.

وانطلاقاً مما أكده القائد المؤسس حافظ الأسد من أننا إذا لم نستطع تحرير الأرض فإننا لن نورّث الأجيال القادمة صكوك استسلام وسنترك هذا أمانة في أعناقها. فلن يطول الزمن الذي سينهض فيه المشروع العروبي ومعه الفكر القومي من كبوتهما، ولن يستسلم العرب ولا المسلمون ولا شعوب العالم أمام الغطرسة الصهيوأمريكية، وسينتصر المحور المقاوم لهذه الغطرسة في زمن ليس بعيداً.

د. عبد اللطيف عمران