ثقافةصحيفة البعث

سعيد الأفغاني علامة النحو وأستاذه

 

عالم موسوعي ومؤلف محقق، اختصَّ بالنحو فكان المحلّق فيه تدريساً وتأليفاً، اختص بدراسة نافعة شاملة عن أسواق العرب، ولد سعيد الأفغاني عام 1909 بمدينة دمشق جاء والده إلى سورية مهاجراً من كشمير، تيتم وهو صغير وتعلم في مدارس دمشق ثم انتسب لمدرسة الأدب العليا فيها وتخرج منها فعين في سلك التعليم. “سعيد الأفغاني علامة النحو وأستاذه” عنوان ندوة من “قامات في الفكر والأدب والحياة” التي أدارها د. إسماعيل مروة، والتي حملت الطابع اللغوي البحت في قواعد اللغة العربية.

معجزة الأفغاني

تعلم الحب على يدي الأفغاني، وكان رفيقه وتلميذه، وتحت عنوان “ذكريات مع أستاذنا الأفغاني وعلمه” تحدث د. مازن المبارك:

الحديث عن الأفغاني هو حديث ذكريات، كان يجتمع كل يوم جمعة بعد الصلاة في جلسة مذاكرة علمية ومناقشات ثقافية أدبية وأحياناً في المدرسة الأمينية القريبة من الجامع الأموي، كنت أراه كل أسبوع وفوجئت في الصف الثامن عندما دخل علينا ليعطينا مادة المحفوظات، وفي الجامعة درّسنا مادة النحو.

تنبه الأفغاني عندما كان طالباً إلى جهودهم وقيامهم بأعمال معجزة في اللغة العربية فكانت السنون العشرون معجزة خارقة -كما عبر عنها الأفغاني- بعد رحيل الأتراك الذين خلفوا ما هو أمرّ من العسكر “الاستعمار الثقافي واللغوي” ذهبت جيوشهم وبقيت لغتهم على لسان أهل دمشق، وبعد ثلاثة أشهر من الاستقلال تواجدت سبع لجان لتعريب اللغة، وقد استطاع المجمعيون والجامعيون قلب الحياة العربية في دمشق من تركية إلى عربية ورفعوا شعاراً واحداً “تحرير الوطن لا يتم إلا بتحرير الإنسان، وتحرير الإنسان لا يتم إلا بتحرير اللسان” وأن علامة الاستقلال الصحيح هو سيادة اللغة الوطنية في البلد، وما تحقق في العشرين سنة في الشام يعد معجزة من الخوارق لا من المعجزات.

لم يتغير منهج حياة الأفغاني طوال حياته، فقد كان رجلاً صاغه الإيمان وحب اللغة العربية بشكل لا يتصور، فقد كان يقول “أشكر الله لأنني وعيت في جو كان أصحابه يتنافسون على خدمة العربية”، إذ أحب العربية حباً عجيباً وكرس حياته لها، صرف همته لها تدريساً وتأليفاً، وطغت عليه صفة النحو التي غلبته وكتب مؤلفات كثيرة فيها وبغيرها مثل “أسواق العرب” التي لا تزال لغاية الآن أفضل مرجع في موضوعها.

يجب ويجوز

وقدم د. إبراهيم عبد الله بحثاً عن موقف الأفغاني من العلاقة بين القاعدة النحوية والقراءة القرآنية، وعن “علم القراءات القرآنية” قال د. إبراهيم:

نشرت رأيه عن الاحتجاج في القراءة القرآنية، وكان له مواقف استند فيها على عدة أمور انتهى إلى أن جعل بعض القواعد النحوية التي تأخذ صفة الوجوب أن أعطاها صفة الجواز، وهذا أمر مهم جداً في النحو بين قول يجب وقول يجوز، ورأيه أن تخضع القاعدة النحوية للقراءة القرآنية، لا أن تخضع القراءة القرآنية للقاعدة النحوية وهو في ذلك ليس جائياً بجديد وإنما هو مسبوق بعدد من النحويين.

تجربة حياة

قدم في البداية إضاءة عن رحلته مع كتاب سعيد الأفغاني التي أرادت ابنته الوحيدة أن تجمع أوراقه في كتاب تخليداً لذكرى والدها، وعن “نتاج الأفغاني-مقالاته وأبحاثه” تحدث حسن مروة:

يمتاز الأفغاني بالعمق في الفكر والتنوع في الثقافة وامتلاكه لناصية اللغة، قيم عديدة تميز بها الكاتب ومنها دفاعه عن اللغة العربية وحرصه على سلامتها التي كانت بالنسبة له لغة جامعة يقرأها ويكتبها ويستمع إليها الملايين، بالإضافة إلى عدالته في الأحكام فكان متسامحاً فيما لا يفدح في دين أو ينتقص من اللغة، وحرصه على الوقت فكان وقته ثميناً وأيامه مملوءة بالجد والعطاء، ومناوأته لأعداء الأمة من غربيين وصهاينة، فالأفغاني حر التفكير وصادق الحب لأمته وذكي الفؤاد في كشف مخططات الأعداء ومراميها، وجرأته في الحق كانت معاناته بأنه صادع وصداح بالحق لا يخشى فيه لومة لائم، ولعل هذا ماجرّ عليه بعضاً من الغمز واللمز والوحدة وقلة الأصحاب، أما عن خفة الظل والأسلوب الساخر على الرغم مما ترسخ في أذهان من رآه من صورة صارمة، إلا أنه كان إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من سمات إيجابية، كان جاداً وحازماً إلا أنه كان خفيف الظل لا يفوت فرصة يراها تحرك محاضرته وتجدد نشاط طلابه.

جمان بركات