صحيفة البعثمحليات

فهـــــم خاطــــئ لـمقولــــة “القانــــون لا يحمــــي المغفليـــن” جـرائـم احـتيال مغلـفة بهالة اجتماعيـة وطـرق خبيثـة و50% يكشفها محامـون

 

 

ازدادت – مع سنوات الحرب – حالات الاحتيال والنصب لتغدو هذه الجرائم شائعة، لقدرة المحالتين على تطوير أساليبهم وتغليفها بهالة من النفوذ الاجتماعي، وإيقاع الضحية في المصيدة وتسليم المال إلى الجاني عن طريق الرضا والاختيار، كون المجرمين يعملون بذكاء يقوم على ابتداع حيل وطرق تتناسب مع الاحتياطات المبذولة، لأجل تمرير أعمالهم الإجرامية تحت غطاء يوهمون به الآخرين أنه مشروع.

مكر واحتيال
“ريما” لم تكن تعلم أنها ستدرس الحقوق وتصبح محامية تواجه قضية احتيال على والدها الذي اشترى منزله وفق عقد أصولي ليكتشف بعد فترة من الزمن أن البائع احتال عليه؛ وقد باع المنزل لأكثر من شخص، حيث بينت أنه تم تقديم عقد البيع للمحكمة ليتبين بعد التدقيق الجنائي للبصمات أن بصمة البائع غير صالحة لاكتشاف الحقيقة، ولاسيما أن البائع المحتال قام بعمل لا يخطر ببال “الجن الأزرق” كما يقال، حيث توضح ريما أن المحتال قام بوضع طلاء أو مادة زيتية على إبهام اليد قبل البصم وتوقيع العقد لتضيع معالم البصمة؛ مما أفقد والدها الحق في ملكية المنزل، ولفتت ريما إلى أنه أصبح عليهم البحث عن الشهود على العقد، علماً أن الموضوع له سنوات، ومكان وعناوين الشهود ليس معروفاً؛ مما عطل القضية وأطال في أمدها ريثما يظهر الشهود ويثبتون قطعية البيع.
وأشارت ريما إلى أن مادة جرم الاحتيال واضحة في قانون العقوبات، إلا أن نسبة عودة الحقوق لأصحابها بفصل هكذا قضايا لا يتجاوز 40% في ظل استغلال المحتالين نوايا الضحايا وعدم دراية أغلبهم بحيثيات القانون وطرق التدابير والاحتراز من عمليات الاحتيال، ليتفق معها بالرأي المحامي أيهم السلطي الذي دعا إلى نشر ثقافة التوعية من هكذا جرائم من خلال ندوات وورشات عمل وبرنامج إعلامية، حيث يعرض فيها عدد من الجرائم المرتكبة والطرق المتبعة لكي يأخذ المواطن الحذر والانتباه كيلا يقع في مصيدة المحتالين، معتبراً أن نسبة نجاح تلك القضايا وعودة الحق للمواطنين المحتال عليهم تصل إلى 50%.

اعتماد الاجتهاد
ولم يخفِ السلطي مع المحامين الذين التقيناهم اعتماد بعض القضاة على الاجتهاد، علماً أن القانون واضح وفق أركان محددة؛ مما فتح المجال من ضعاف النفوس والمستغلين لابتزاز المواطنين وخاصة فيما يتعلق بسندات الأمانة، حيث يعتمد القاضي على بصمة الشخص فقط من دون الرجوع إلى أركان القانون الذي يضمن ثبوت القضية على الشخص المحدد، ولاسيما أن هناك معاناة عند ضياع سندات الأمانة أو وقوعها في يد أناس حيث يصبح بأماكنهم الابتزاز لأصحاب البصمة مجرد تقديمه إلى المحكمة التي تعتمد صحة البصمة بغض النظر عن صاحب الحق. ويرى خبراء قانون أن الجهل بالقانون فسح المجال أمام المحتالين الذين اطلعوا على قانون العقوبات، كي يستفيدوا من الثغرات لإيقاع الضحايا في صنارة الاحتيال، ولاسيما أن هناك من يروج ويقدم مقولة “القانون لا يحمي المغفلين” من أجل تنازل أصحاب الحقوق وعدم تقديم الشكوى أصولاً للمحكمة المختصة، متوهمين ضياع حقهم تحت مظلة تلك المقولة، وقد طالب الخبراء بتشديد العقوبات على جرائم الاحتيال دون غيرها وخاصة في ظل ازدياد قصص الاحتيال المتعلقة بحاجة المواطنين للعمل والوظيفة، حيث يستغل المجرمون المواطن بحجة تأمين وظيفة أو عمل لدى دوائر الحكومة تحت غطاء من النفوذ أو المعارف.

مصيدة الحاجة
واعتبر الخبراء أن الكثير من الناس يقعون في المصيدة نتيجة حاجتهم الملحة إلى وظيفة أو عمل له دخل ثابت، وقد يصل بهم الأمر إلى الدين أو حتى بيع ما بحوزتهم من مصاغ، أو رهن أرض للحصول على تلك الوظيفة المزعومة، ثم بعد ذلك يعضون على أصابعهم ندماً عندما يكتشفون أنهم ركضوا خلف سراب، ليأتي دور المشرع الذي شدد العقوبة في هذه الحالات من أجل الحد منها، حيث يبين القاضي غسان بكار أن المادة 642 من قانون العقوبات نصت على “تضاعف العقوبة إذا ارتكب الجرم في إحدى الحالات، كحجة تأمين وظيفة أو عمل في إدارة عمومية، أو بفعل شخص يلتمس من العامة مالاً لإصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو لمشروع ما”، مشيراً إلى أن كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول، أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً، إما باستعمال الدسائس، أو بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية أو بظرف مهد له المجرم، أو ظرف استفاد منه، أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها، أو باستعماله اسماً مستعاراً أو صفة كاذبة حدد القانون عقوبة بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وبالغرامة من عشرة آلاف ليرة إلى خمسين ألف ليرة، ولا يستفيد المحكوم من الأسباب المخففة التقديرية أو وقف التنفيذ أو وقف الحكم النافذ إلا في حالة إزالة الضرر.
آثار سلبية
ولفت بكار إلى أن جرم الاحتيال من أشد الجرائم الواقعة على الأموال خطورة على المجتمع من حيث شخص الجاني وطبيعة الجرم وظروفه المحيطة والآثار السلبية المترتبة على انتشاره، والتي أدت لانعدام الثقة بين الناس بشكل عام.. وتؤدي لجمود التعاملات المالية والنافعة بين الناس بسبب انعدام الثقة بينهم؛ لذلك كان القانون صارماً في جرم الاحتيال.
وكشف بكار عن المفهوم الخاطئ لعبارة القانون لا يحمي المغفلين، ولاسيما أن القانون بالمرصاد للمحتالين وفق أحكام مواده، ووفق الحالات التي نصت عليها المادة المذكورة وخاصة أن هناك آلاف القضايا التي فصل أغلبها لصالح أصحاب الحقوق، مؤكداً أنه لا مجال لتصديق مقولة القانون لا يحمي المغفلين، فالمحتال شخص درج على خداع الناس بطرق ملتوية قد تجعل الكثيرين يصدقون ما يقوله لهم؛ لذلك لا ينبغي أن يفلت من العقاب إذ إن جريمته تطال استقرار المجتمع بالكامل، وتبعث نوعاً من عدم الثقة بين أبنائه؛ لذلك لجأ المشرع إلى تشديد العقوبة في بعض الحالات.
وأخيراً الحديث عن جرائم الاحتيال يطول نظراً لأن المجرم يطور أساليبه تبعاً لتطور الحياة وتشعبها؛ لذلك لا بد من تسلح المواطنين بالوعي الكافي لمواجهة من يستغل حاجاتهم ويمنيهم بالأماني والوعود الكاذبة ليصل إلى جيوبهم، في وقت يتم التشدد على ضرورة تحمل الجهات المعنية مسؤولياتها بهذا الخصوص، فالمطلوب من المشرع ليس تشديد العقوبات فقط، وإنما سحب الكثير من الذرائع التي يتم التسلل من خلالها.

علي حسون