الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الأول من أيار

 

السماء ملبدة بالغيوم والعواصف التي تثور بين حين وآخر تلقي حبات الغبار على تلك الوجوه السمر المتطلعة إلى الصباح.
الظلام يخيم على الكون والناس يتسامرون بانفعال وهي هناك في حجرة مهجورة بعيدة عن الأضواء تصارع المخاض، تخاف أشباح الدرك الذين تعودوا اختطاف المولود.. تخاف أشباه الرجال الذين ملأوا غلايينهم بأفخر أنواع التبوغ لأنهم اعتادوا وأد المولود ظناً منهم أن الحياة لا تتسع، والوضع الاقتصادي لا يسمح.
مرت الساعات والدقائق ثقيلة مكبلة بالخوف والترقب والانتظار.. الكل عدا أولئك المستنزفة جهودهم، كانوا يزرعون عيونهم على الطرقات يترقبون مرور “الداية” لأنهم يعرفون شارتها، إنها تحمل بيرقاً كبيراً صنع من كل أقمشة المصانع، ولوّن بكل ألوان الشعوب.
لم تمر “الداية” وهنا كانت المفاجأة، فقد طلع الصباح وسمعت الزغاريد وصوت الرصاص في اليوم الأول من أيار، ذلك النبراس الذي بهديه فجّر العمال ثورتهم، وأثبتوا وجودهم وانتزعوا حقوقهم من أيدي مستغليهم، وترجموا شعاراتهم إلى فعل من خلال تأكيدهم أن وجودهم هو استمرار لوجود الآخرين.. فما أروع ذلك الوجه الطافح بالبشر وراء آلته يصونها ويرعاها.. وما أجمل صورة العمال يلتقون مع بعضهم في ساحات العمل يحتفلون بحصاد جهدهم الذي ينتجونه بمحبة وإخلاص.. فتحية حب لتلك الجباه السمراء التي تمسك بيدها شعاعاً من ضوء يمتد طويلاً إلى أرواحهم ليرسموا مكانهم تحت الشمس، ويعيشوا لحظاتهم على نبض حبهم لعملهم ووطنهم..