ثقافةصحيفة البعث

دمشق في “ألف ليلة وليلة”

 

عندما نبحث في جذور حكايات ألف ليلة وليلة سنجد من ينسبها للثقافة الهندية أو الصينية أو لثقافات أخرى، ولن نجد مؤلفاً محدداً يمكن أن نعيد إليه الفضل في تأليفها. هذا العمل الذي ترجم لعدة لغات كان موضوعاً للمحاضرة التي ألقاها د. فايز الداية في مجمع اللغة العربية بدمشق تحت عنوان “دمشق في ألف ليلة وليلة -اللغة والتاريخ والخيال” وربما كان هذا العنوان الأقدر على تقديم صورة للجانب الذي اختار الداية طرحه في محاضرته إذ رأى أن أصول ألف ليلة وليلة لا تعود فقط للهند أو للصين بل هناك جذور شرقية لها في بابل وأوغاريت، فهذه الحكايا فيها شيء من شرقنا ائتلف مع شيء من الهند والصين وكان يضاف إليها ويعدل عبر الحكواتية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه. وعن حضور دمشق في تلك الحكايا أكد الداية أن دمشق جاءت في مواضع عديدة فقد جاءت في 14 موضعاً ستة منها في حكايا طويلة مركبة والستة الأخرى كانت في الحكايا المتوسطة، مما يعني أن حضور دمشق لم يكن طارئاً بل أخذت حيزاً وافراً وواضحاً في تلك الحكايا التي أرتنا دمشق بمعالمها الرئيسية وفي إطارها الواضح والجميل فقد وصفت الحدائق والثمار وذكرت الجامع الأموي والقلعة وكانت تمزج بين الشعر والنثر.
وبالوقوف عند اللغة طرح الداية تساؤلاً مفاده هل هناك لغة دمشقية -شامية- في ألف ليلة وليلة؟ وهنا أكد أنها لم تكتب بالعامية بل بالعربية الفصيحة التي تحمل بعض الأخطاء والتجاوزات، وبناء على قراءته التفصيلية أكد وجود إيقاعات تعبيرية شامية ومصرية وهو ما أطلق عليه المتداول اللغوي الشامي المصري حيث لفت إلى أن الألفاظ دارجة وشائعة في مستعملنا اليومي وكان هناك الكثير من الأفعال والأسماء والجمل التي تؤكد ذلك، وهو ما دعمه الداية ببراهين من كتاب ألف ليلة وليلة نفسه ليؤكد أن هناك حشداً من اللغة والألفاظ الشامية لم تكن آنية بل وجدت في حكايا عديدة.
النقطة الأخيرة التي عالجها الداية في محاضرته هي التاريخ والخيال انطلاقاً من: أين الواقع في الحديث عن دمشق وأين التاريخ الحقيقي الموثق وأين الخيال؟ وهنا رأى الداية أن الحكايا ليست مرجعاً تاريخياً لأنها ذوّبت الحدود والملامح وبقي شي يدل على التاريخ، فهي خيالية تخلط بين الأزمنة فيها التاريخ والتصرف والتغيير لتكون حكاية، وختاماً توقف المحاضر عند الحكواتي الذي شارك في الإبداع وفي تحويل الحكاية إلى البنية التي وصلت إلينا، هذا الحكواتي الذي كان بوصفه ومجلسه دمشقياً يمنح العلم والثقافة للآخرين.
قدم للمحاضرة د. محمود السيد وتوقف عند بعض النقاط التي أغنت المحاضرة، إضافة للعديد من مداخلات الحضور.
جلال نديم صالح