الحلول موجودة تدني نسب الزواج.. أوضاع مادية تفرض التأجيل وعادات اجتماعية تفاقم المشكلة!
الزواج رباط مقدس يربط اثنين جمع بينهما الحب، ولكن قرار الزواج من أصعب القرارات المصيرية، وأكثرها تكلفة، ففي جردة سريعة لواقعنا الاجتماعي الذي عانى من منعكسات الأزمة، وما يرافقها من القيم الاجتماعية، والثقافية المتضاربة، والمفتقرة لمواكبة التطور، تبرز لدينا مشكلة العنوسة في المجتمع، والتي بات من الصعب القضاء عليها إلا من خلال تغيير وتطويع تلك القيم بما يتلاءم مع شكل حياتنا الحالي، ويجاري ما حققته المجتمعات الأخرى على الصعيد ذاته.
الرخاء الاقتصادي
لا ننكر أننا عشنا فترة من الرخاء الاقتصادي قبل الأزمة، واعتاد الجميع على نمط معين من الطعام، واللباس، والأدوات المنزلية الراقية، والحفلات أثناء الخطوبة والزواج، وبقي ذلك كله يسكن الأذهان، بحسب المرشد الاجتماعي”الأستاذ أحمد محمود”، وتناسينا أن هذا الواقع قد تغير ويجب تعديله ولو مرحلياً وإلا سنبقى في صراع دائم مع الماضي الذي توقظه كل يوم عدد من الحالات الاستثنائية لأزواج أغنياء لم تختلف أوضاعهم في ظل الأزمة، بل منهم من ركب موجة الأزمة وحقق منها مكاسب كبيرة، وباتوا يظهرون البذخ والتفنن الذي لم يكن مألوفاً لدينا حتى في أيام الرخاء، وبالرغم من كل الضيق، لا توجد فتاة تقبل بمنزل زوجية خال من غسالة اوتوماتك متوسط سعرها مئتا ألف ليرة سورية، أو فرن غاز، ناهيك عن الأساسيات كالبراد، والمدفأة، وأثاث غرفتي النوم والجلوس، وبحسب الدكتورة في كلية التربية بجامعة دمشق “منى كشيك” فإن العرس يوم مهم جداً، لكن بعض الدراسات الحديثة أكدت أنه كلما زاد المال الذي ينفق في حفل الزفاف زاد احتمال طلاق الزوجين في النهاية، فالبذخ لا يعبّر عن الحب، وليس أمراً هاماً لإنجاح الزواج، ونوّهت الدكتورة “كشيك” إلى ضرورة عدم إغفال الحجر الأساسي في المشروع المتمثّل بتأمين منزل “إيجار أو ملك”، وهذا يعني بضعة ملايين، ومن النادر والصعب اختصار هذا المبلغ، فبعد أن ارتفعت أسعار العقارات بيعاً وإيجاراً في ظل الظروف السياسية، أصبح الحصول على منزل في منطقة آمنة حلماً يراود المقبلين على الزواج، في ظل هذه التكاليف الخيالية لمتطلبات الزواج التي يصعب تأمينها لدى معظم الشباب السوريين، بمن فيهم المستقرون مادياً الذين يعيشون يومياً في كنف تداعيات الحرب، والأزمة الاقتصادية الخانقة، وزيادة معدلات البطالة.
زواج الأنترنت
بعد انتشار أنواع عديدة للزواج كالزواج عن حب، والزواج التقليدي، فقد برز بشكل واضح الزواج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة بعد قلة التواصل بين أفراد المجتمع في ظل الأزمة، لصعوبة التنقل، وقلة المناسبات والحفلات التي كانت تقرب الراغبين بالزواج، وأشارت الدكتورة كشيك إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي مكنت الكثيرين من التعارف والزواج، وحققت رغبتهم بدقة من حيث الجيل، والمكوّن الاجتماعي، والمهنة بعد تبادل الأحاديث بشكل غير مباشر، متخطين حواجز الخجل، وصعوبة التواصل المباشر في مجتمعنا، ولكن بالمقابل علينا ألا ننسى ما يؤخذ على هذا الزواج من سلبيات قد تقلق الكثيرين، فهو نابع من الواقع الافتراضي الذي يتسم في كثير من الأحيان بالكذب، أو التسلية، أو عدم الجدية، وبالتالي فقد لا يقدم حلاً شافياً لجميع الحالات.
خطر ديمغرافي
وأوضحت الدكتورة منى كشيك أن أحدث الدراسات تشير إلى أن نسبة العنوسة في سورية وصلت إلى 70% لأسباب ارتبطت بالأوضاع الاقتصادية، والأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد في السنوات الأخيرة، فأعداد الشباب قليلة مقارنة بالإناث، ومن خلال متابعتنا لعدد من الإحصائيات الرسمية، والمقالات الإعلامية، نلاحظ خلال الأزمة ارتفاع حالات الزواج من امرأة ثانية في ظل الأزمة، حيث وصلت لنسبة 40% من حالات الزواج، بالرغم من اشتراط المحكمة على الزوج أن يكون مقتدراً، ويصل دخله الشهري إلى نصف مليون ليرة سورية، أي أن الرجل المقتدر أمن زواجه من الأولى، وظفر بالثانية، في حين يرزح غيره من الشبان في سنوات العزوبية دون أي حراك بسبب سوء أوضاعهم المادية، ولا نعلم إن كانت تعديلات قانون الأحوال الشخصية ستحد من آثار تلك الظاهرة التي قد تسبب تدمير الأسر وتفكيكها اجتماعياً من خلال إبعاد الآباء عن أبنائهم، وتوزيع حنان الأب على أسرتين، فقد أوجدت التعديلات الجديدة وضع شروط خاصة على عقد الزواج تتضمن اشتراط موافقة الزوجة على الزواج بثانية.
تدمير القيم
المواطن علي محمد أكد أن تدني نسب الزواج سيؤدي لآثار أخلاقية سلبية كانتشار العلاقات العاطفية بلا هدف، وما ينجم عنها من ألم للشريكين بعد افتراقهما دون تكلل ما بينهما بالزواج، أو انتشار بدائل للزواج كالعلاقات اللاأخلاقية والعابرة، بما لها من آثار صحية واجتماعية سيئة، فالأسر أحياناً ترفض تزويج ابنتها لشاب بسبب سوء وضعه المادي، وهذا قد يجبر الشاب والفتاة على إيجاد حل بديل للزواج، وكان الأولى بتلك الأسر الرضى على ما اختاره أبناؤهم لطالما كان ذلك مبنياً على أساس الحب، والتفاهم، والتحلي بالقيم النبيلة، بل عليهم تشجيع التعاون على بناء الأسرة مهما كان الوضع المادي سيئاً، فذلك أفضل من الانحراف، والضياع، وانحلال القيم، ويجب على الجميع اعتناق ثقافة التفاهم بين الزوجين كمعيار أساسي للزواج، وعدم النسيان أن الوضع المادي غالباً ما يكون عرضة للتغير سواء بالسلب أو الإيجاب.
انتشار الزواج العرفي
تسبب انتشار ظاهرة الزواج العرفي بتقليل الزواج الرسمي، ومن أبرز أسبابه التي أوضحتها الدكتورة “كشيك” أنه في بعض الأرياف يلجأ الأهل أحياناً لهذا النوع من الزواج لتزويج الفتاة من رجل أكبر سناً عندما لا تبلغ السن القانونية للزواج، كذلك يلاحظ لجوء بعض المطلقات للزواج العرفي، وعدم إشهار الزواج خوفاً من فقدان الحق في حضانة الأطفال، ويلجأ لهذا الزواج أيضاً كبار السن من الرجال والنساء حتى لا يتقاسم الزوج أو الزوجة الميراث مع الأبناء في حالة الوفاة، وفي حالات أخرى يلجأ له الرجل المتزوج الذي يريد الزواج مرة أخرى، ويتداول الزواج العرفي في المناطق الساخنة في القطر لعدم وجود جهات رسمية فيها، بل يتم زواج بعض الفتيات اللواتي يعانين من ظروف مالية صعبة من رجال من خارج القطر، وقد يكونون إرهابيين، وستواجه المرأة تحديات الاعتراف بحقوقها القانونية من قبل السلطات الحكومية، خاصة أن أغلب التشريعات تعتبر هذا الزواج باطلاً.
في انتظار القطار
تظهر المشاكل والتبعات النفسية لتأخر الزواج، والتي قد تصل لدرجة إيجاد شخص معقد ومنطو بعد تقدمه في السن، بحسب المرشد الاجتماعي أحمد المحمود، بعد أن تبدأ المخاوف من فوات قطار الزواج، وكثرة أسئلة الفضوليين دون أي احترام أو تقدير لصعوبة وضع من تأخر بالزواج، وهذا بحد ذاته يكون مشكلة اجتماعية تضاف إلى مشكلة العنوسة وتلاصقها دائماً، ولابد من لفت انتباه الجميع لاستيعاب من دخل بهذه المشكلة لا زيادة الهم عليه.
صعوبات قانونية واجتماعية
بعد زيادة معدلات الطلاق في ظل الأزمة، وسيادة فكرة أن قانون الأحوال الشخصية منحاز للرجل، ولا يحقق تطلعات المرأة، ازدادت المخاوف، وتسبب ذلك بتردد الكثيرات في فكرة الزواج عند مشاهدتهن حقوق غيرهن تهدر دون وجود طرف قوي مناصر لهن في ظل سيادة الذكورة في المجتمع، ومن جهة أخرى فقد أكد لنا عدد من المحامين أن هذه المخاوف ستأخذ بالتراجع بعد تعديل سبعين مادة من القانون، وأن التعديلات حققت مصلحة المرأة، وعملت على ترسيخ حق الأم في ممارسة ولاية التزويج، وتحقيق مقاصد الزواج، وتأتي استجابة للتغيرات التي طرأت على المجتمع بعد مرور أكثر من نصف قرن على صدور القانون، بما شملته تلك التعديلات.
لابد من دعم
لابد من تدخل الجهات المعنية في وضع حلول أو إجراءات لإنقاذ مؤسسة الزواج في ظل الوضع الراهن، وانخفاض نسب الدخل، وقلة العمالة، فمؤسساتنا الاجتماعية والجامعية، ومؤسساتنا الخيرية على كثرتها لم تقدم أية حلول مرضية، بل وقفت موقف المتفرج رغم كثرة التصفيق والشعارات والندوات، وفشلت بتقديم القروض الميسرة، أو الإعانات، أو السلف، أو عروض تقسيط حقيقية على السلع المنزلية بعد انتشار ظاهرة “تقسيط ثمن أجهزة الموبايل” عن طريق البنوك، وكأنه سقف أحلام الشباب، كما فشلت أيضاً بوضع دراسات لاجتراح الحلول بعد تحليل الواقع على الصعيدين الاجتماعي والثقافي، في وقت نجد بلدان الجوار قد أنشؤوا وزارات للشباب، والرفاه، والتطوير، فهل سننجح في تحقيق ذلك؟!.
بشار محي الدين المحمد