دراساتصحيفة البعث

المطالبة برفع العقوبات تأتي في المقام الأول

 

د. مازن المغربي

ترافق انعقاد اجتماع الدول المانحة في بروكسل بهدف جمع الأموال لدعم الشعب السوري مع صدور العديد من الأصوات التي رأت أن الخطوة الأولى في دعم الشعب السوري تتمثّل عملياً برفع العقوبات الجائرة التي طالت سورية منذ 2011 دون مبررات مستندة إلى القانون الدولي. صحيح أن معظم هذه الأصوات كرّرت بعض اللازمات التي لا بد منها للوصول إلى وسائل الإعلام، مثل الحديث عن معونات إنسانية وعن تخفيف معاناة السوريين، لكن يبدو أن زمن النظرة الأحادية قد شارف على الانتهاء وفق ما ورد في مقال كتبه الصحافي ماتياس فون هاين ونشره موقع دويتشة فيلله.
ذكر الكاتب أن الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة سيجتمعان في بروكسل بهدف جمع الأموال لسورية، لكن الأحرى بهما هو رفع العقوبات عن سورية بعد أن تحوّلت تلك الإجراءات إلى عملية عقاب جماعي طالت بشكل رئيسي الناس البسطاء. وكانت الهيئتان الدوليتان وجهتا دعوة لممثلين عن خمس وثمانين دولة لعقد اجتماع للدول المانحة في بروكسل، مع الإشارة إلى أن آخر مؤتمر لدعم سورية والمنطقة جمع أكثر من أربعة مليارات دولار، ويأمل المنظمون في أن يتمكنوا هذه المرة من جمع قدر أكبر من المال. ويتابع الكاتب قائلاً: صحيح أن سورية تحتاج إلى المال بعد ثماني سنوات من حرب دمّرت البلاد وهدمت البنى التحتية، حيث قدّرت الأمم المتحدة تكاليف إعادة الإعمار بأربعمائة مليار دولار، لكن سيكون من الممنوع الحديث عن تقديم المساعدة في إعادة الإعمار، كما أنه من الممنوع مناقشة أي أمر يمكن أن يبدو أنه مساعدة للحكومة في دمشق. وعلّق الكاتب على هذا بأن السياسة هي في النهاية فن تنفيذ ما هو ممكن، وبالتالي على المرء التعامل مع الواقع وأنه بعد ثماني سنوات من الحرب الدموية القذرة لا يزال النظام ممسكاً بدفة الأمور، بغض النظر إن أعجب هذا المرء أم لم يعجبه. ولو كان المرء يهتمّ بشكل جديّ بحماية مصالح الشعب السوري فيجب عندها توفير الظروف التي تجعل إعادة الإعمار ممكنة، ولا يتطلّب هذا تحويل الأموال إلى دمشق بل سيكون من المفيد رفع العقوبات التي فرضت على البلاد منذ 2011 واستمرت بالتصاعد.
وطرح الكاتب المثال التالي: قبل حلول الشتاء قرّرت وزارة المالية في الولايات المتحدة في شهر تشرين الثاني المنصرم حظر نقل النفط والغاز إلى الموانئ السورية، والتهديد بفرض عقوبات على من يقوم بذلك، وكانت النتيجة شحاً كبيراً في الوقود والغاز وارتفاع سعريهما، وترافق ارتفاع أسعار الوقود مع ارتفاع تكاليف النقل الذي انعكس ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تسعين بالمائة من الشعب السوري يدفعون أكثر من نصف مداخيلهم للطعام ولا يمكنهم تحمّل هذا الارتفاع في الأسعار، وبالتالي أدّت العقوبات الجديدة إلى تدهور أوضاعهم. وأضاف الكاتب أنه من المثير للسخرية أن الإجراءات التي اتُخذت حرصاً على حقوق الإنسان أدت في واقع الأمر إلى تراجع ظروف حياة السوريين بشكل جماعي، حيث إن عقوبات الاتحاد الأوروبي وحدها طالت أربع عشرة مجموعة مختلفة، تضمن ذلك عناصر أساسية مثل معدات محطات توليد الطاقة، أو معدات صناعة النفط والغاز، عدا عن العقوبات المالية التي طالت كل مناحي الحياة اليومية، حتى شراء الأدوية والمعدات لمصلحة نظام الرعاية الصحية المجاني صار صعباً للغاية بسبب العقوبات المالية. ويفرض الحظر على تجارة المعدات والآلات وقطع الغيار قيوداً على الصناعة السورية، كما أن عدم توفر مضخات المياه يضرّ بالناس بشكل مباشر كما يضرّ بوضع الأراضي الزراعية. ويبدو أن المفارقة التي تشوب مقاربة الشأن السوري دفعت منظمة “أوكسفام” للإغاثة للتعليق عند انطلاق اجتماع بروكسل بأن المانحين كانوا كما لو أنهم يتعاملون مع مخبز يفتقر للوقود لتشغيل معداته، وهم يفضّلون توزيع الخبز على تزويد المخبز بما يحتاجه من وقود، وبدلاً من أن يتمّ حفر آبار يتمّ الحديث عن توزيع عبوات المياه. وعلّق الكاتب أن هذا يمكن أن يرضي الدبلوماسيين المجتمعين في بروكسل، لكنه محبط بالنسبة للسوريين الذين يريدون بناء حياتهم ولا يريدون صدقة. وأشار الكاتب إلى أن السوريين الذين يعيشون في كنف الدولة لهم الحق بالحصول على الكهرباء والماء، ويحتاجون عناية طبية ووسائل نقل، وعلى من يريد حقيقة مساعدة السوريين ألا يضع عقبات في طريق إعادة الإعمار. وخلص الكاتب إلى أن رفع العقوبات عن الشعب السوري يصبّ في مصلحة الأوروبيين، حيث إن انسداد آفاق المستقبل تدفع الناس للوقوع في فخ الدعايات المروّجة للعنف والإرهاب، والأهم أنه عندما تتحسّن أوضاع الناس سيترافق ذلك بانخفاض أعداد الساعين للجوء إلى أوروبا.