دراساتصحيفة البعث

هل هي حرب عالمية خفية!؟

ترجمة وإعداد: لمى عجاج

إن السباق المحموم للسيطرة الفعلية على العالم لا يزال مستمراً تحت غطاء من السرية والنوايا الخفيّة التي تصبّ في مصلحة البعض، مما يدقّ ناقوس حرب عالمية ثالثة ويوقظ الشعوب النائمة من غفوتها.

إن ما سنعرضه في هذه المادة سيسلّط الضوء على هذه القوى الخفية التي تعمل على كتم الأصوات المتعالية وإسكاتها. لقد  كان الثاني والعشرون من تشرين الثاني من عام 1963يوماً مهماً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهد هذا التاريخ اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي والذي كان نقطة تحوّل مهمة في التاريخ الأمريكي، عندما سيطر هؤلاء الذين يديرون ما يُسمّى بـ”المجمع الصناعي العسكري” على الولايات المتحدة الأمريكية. كان كيندي مناهضاً للعولمة، لذلك كان لابد في وقتها من إزاحته عن المشهد السياسي والتخلّص منه، وساعد الغموض الذي لفّ قضية اغتياله قَتَلته في التصرف بكامل الحرية وسمح لهم بتنفيذ ما يسعون إليه، لكن لا بد للحقيقة من أن تنجلي حتى لو ابتلع الشعب الأمريكي ملف القضية، فجميعنا يعلم أن هذا الفصل من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية لم ينتهِ بعد لعدة أسباب، ستتكشّف عندما يُكشف القناع عن هذه الوجوه الغامضة والمشبوهة التي بنت إمبراطورياتها المالية بفعل هذه الآلة العسكرية حينها، وسيكون “الجميع” في المواجهة النهائية.

إن “الحقيقة” التي تعمل نشرات الأخبار على نقلها لشعوب العالم بطريقة مزيفة أشبه ما تكون بتلك التي نراها تُعرض في الأفلام الهوليودية، والتي غالباً ما تتطرّق إلى سيناريوهات لأفلام سينمائية تتضمن مشاهد لتدمير الأرض واحتمالية قيام حرب عالمية ثالثة، لذلك فإننا عندما نرى الشخصيات الواقعية كالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أو الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على وجه التعيين يتصدّرون نشرات الأخبار، يُخيل إلينا أننا في حضرة مشهد سينمائي لفيلم هوليودي، ونتمنى لو أننا نستطيع إزاحتهم عن المشهد لأدائهم البارد والفاشل في التمثيل، لأن المشهد الحقيقي الذي تؤكده الأبحاث يشير إلى أن ما يحصل في العالم هو بخلاف ما يبدو عليه فعلياً، فالمشهد الحقيقي مرعب ومخيف وغير منصف على المستوى الإنساني وليس له علاقة بالكوميديا والتهريج، والإخفاقات الكبيرة التي شهدها التاريخ الأمريكي منذ إطلاق الرصاص على كيندي في دالاس واغتياله لطّخت وجه البشرية كما يُلطخ الثوب الأبيض بالسواد، فقد كانت واحدة من الشرارات التي كانت تهدّد بدخول حرب عالمية ثالثة. فبعد أن أُخفيت الوثائق المتعلقة بملف اغتيال الرئيس جون كيندي لأكثر من نصف قرن، قام الأرشيف الوطني الأمريكي بنشرها بعد الحصول على موافقة الرئيس دونالد ترامب، لتبدأ خيوط اللعبة بالانفراج، حيث ظهرت وثيقة صدرت عن قوات العمليات الخاصة التابعة للجيش الأمريكي (swcs) قام جوليان أسانج مؤسّس ويكليكس بتسريبها مؤخراً، وضّحت بشكلٍ تفصيلي الاستراتيجيات المالية  التي ستلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدامها في حال حدوث حرب عالمية ثالثة، والتي يمكن أن نراها من خلال خطوات اللعبة التي تمارسها أمريكا بشكل استباقي للتصدر لكل أزمة تحصل في العالم، ومنها لعبة قلب الأنظمة وتغييرها التي نراها اليوم.

إن كلّ الشكوك والتساؤلات التي أُثيرت حول اغتيال كيندي أصبحت اليوم مكشوفة للجميع، وأصبح العالم مقتنعاً بسيطرة القيادة الغربية على “المجمع الصناعي العسكري” بعد أن رأى الالتزام الحرفي بخطوات اللعبة التي رُسِمت من قبل قادة الغرب، فضلاً عن ذلك فإن قسم عمليات الشؤون المدنية -الفصل السابع- سيشرح لنا بكل وضوح الهدف من مهمة موظفي الخدمة المدنية، ليصبح من السهل علينا أن نفهم مصطلحاً  بسيطاً مثل “عميل” أو “جاسوس”، بدلاً من المصطلحات المعقّدة مثل “القوات المسلحة الأمريكية الخاصة”، وبذلك يوفر علينا الكثير من التفكير والتحليل لنفهم الغاية الحقيقية التي يريدون تحقيقها في فنزويلا وفي مناطق أخرى،  حيث توكل لقوات الشؤون الخاصة التابعة لقوات العمليات الخاصة التابعة للجيش (ARSOF) مهام خاصة ضمن ما يُسمّى منطقة عمليات الحرب غير التقليدية (UWOA) بالتعاون مع عناصر مدنية مختارة من قوات غير نظامية ووكالات ومنظمات غير حكومية من الداخل، لتقوم بكل ما من شأنه خدمة الغايات الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية، سواء أكان ذلك بالاغتيال، أم بالتسلل، والتنظيم، والتوظيف، وزعزعة الاستقرار، أو تقويض نظام الحكم من دون اعتبار لجهوزية الدولة المعنيّة ذات السيادة للتغيير أو رغبتها فيه. ما يحصل في فنزويلا شاهدٌ فعليّ على هذا، وحالياً يشغل الأدميرال كريج فولر منصب القائد للقوات الأمريكية في أمريكا  الجنوبية (SOUTHCOM) بعد أن أُعفيَ الأدميرال كورت دبليو تيد من هذا المنصب في العام الماضي، لكن القاسم المشترك بينهما كان في تمسّك كل منهما بالمهمّة الموكلة إليه من قبل إدارته، وهذا ما كان واضحاً في كلام الأدميرال تيد قبل انتهاء جولته في المنطقة الذي ذهب إلى حدّ وصفه لأمريكا اللاتينية والعالم بـ”وطننا المشترك”، وهو هنا لا يقصد المعنى الحرفيّ للكلمة، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تشبه عالم “والت ديزني” الخيالي لتحبّ جيرانها وتدلّلهم، ولحسن الحظ نحن لسنا بلهاء لنصدّق ما يقوله الأدميرال تيد الذي اعتاد أن يكون بمنتهى الشفافية والوضوح عند حديثه عن “الشبكات الإجرامية”، بينما تغيب عنه هذه الشفافية عندما يتعلّق الأمر بالشبكات التي يوظفونها لخدمة مصالحهم في السيطرة على فنزويلا وعلى أماكن أخرى من العالم، مما جعل مهمة حماية أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بمثابة تحدٍّ أمني كبير في ظل عمليات زعزعة الاستقرار والفساد الكبير الحاصل فيها، إضافة إلى القرصنة العالمية التي أصبحت تهدّد شبكات الانترنت الدولية. كل هذه المعطيات تزيد من خطورة الوضع، وقد اعترف قائد القوات الأمريكية في أمريكا الجنوبية بذلك عندما شهد أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ ووصف الوضع في فنزويلا بالخطير، ولكنه لم يتطرق إلى شبكات التجسّس العاملة تحت إمرتهم والتي يصفها بـ”شراكات” عسكرية ودبلوماسية، هذه الشراكات التي تمّ تبنيها من  قبل أجهزتهم  والتي جاء التقرير على ذكرها في دليل الحروب غير التقليدية للقوات العسكرية الخاصة الأمريكية  FM3-05.130.

وبالنتيجة فإن أحد أبرز جوانب الحرب العالمية الثالثة غير التقليدية التي نتحدث عنها هو تسليح القطاع المالي الذي فضحه موقع ويكليكس في الوثائق التي قام بتسريبها، حيث ورد في الفصل الثاني من الدليل ذكرُ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على أنها “أسلحة” غير تقليدية لهذه الحرب، وهنا تتلخّص الفكرة حول سيطرة قطاع المال والأعمال على الحكومة، فالذين يسيطرون على المجمّع الصناعي العسكري هم بالتحديد من يسيطرون على البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فكيف لهم ألّا يستغلوها كأسلحة عسكرية وهم متأكدون من سيطرتهم عليها؟.

لقد أشار الدليل التمهيدي للحرب غير التقليدية إلى التواطؤ المالي والسياسي الذي يقوم به الجيش الأمريكي عبر الاستفادة من خزانة الدولة الأمريكية وغيرها من السلطات، وتقديم مكافآت وحوافز مالية تشجيعية لتقوية ودعم التحالفات الدولية التي تعمل لخدمة مصالح وأهداف حملتها العسكرية والسياسية التي تخطّط للقيام بها في حربها غير التقليدية على العالم ولتضمن استمرار ولائهم لها. أما الوجه الآخر للتواطؤ المالي والسياسي فيظهر من خلال فرض العقوبات وافتعال الأزمات الاقتصادية في اقتصاديات دول العالم التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، والشاهد الحيّ على ذلك ما يحصل اليوم في اليونان بدعم من القوى الأوروبية وصندوق النقد الدّولي عبر اتباع سياسة إغراق اليونان بالدين الحكومي والتسبّب في الأزمة المالية التي تعصف باقتصاده، فضلاً عن سياسة التجويع التي يستخدمها الأمريكيون ضد الشعب الفنزويلي، فبموجب السلطات الاستثنائية للرئيس الأمريكي ينفذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية والذي يُعتبر وكالة استخبارات مالية تابعة لوزارة الخزانة الأمريكية نشاطاته ضد الدول الأجنبية ويدير ويفرض عقوبات اقتصادية، فهو رئيسيّ للحكومة الأمريكية في إدارة الحرب الاقتصادية التي تعدّ ضرورية لنجاح حرب العمليات الخاصة التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن يقال إن السحر ينقلب على الساحر، وهذا ما حصل تماماً مع اليونان التي انقلب السحر على حكومتها بعد أن تفاقمت أزمتها المالية وأثقلت كاهل الشعب وبالمحصلة الدولة. وعلى الرغم من جميع الإصلاحات الاقتصادية وإجراءات التقشّف لخفض العجز بالموازنة العامة لم يتوقف الحكام الدُمى في اليونان عن شراء الأسلحة من صنّاع الأسلحة الأمريكيين والألمان والفرنسيين بمئات ملايين الدولارات، وفوق كل ذلك تعدّ اليونان من أكثر الدول الأوروبية التي تنفق الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي النسبي  الخاص بها على الدفاع والأسلحة، لكن هذا لم يشفع لها ولم ينقذها من براثن الحرب غير التقليدية التي تستهدف السيطرة على العالم، وهي اليوم تُستَنزف وتجوّع بوحشية بآلة الحرب العسكرية نفسها التي ساهمت في دعمها. لأجل ذلك كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أهم أداتين للعولمة والحرب الأمريكية غير التقليدية التي وُلدت من رحم  الحرب العالمية الثانية، والتي كسرت اقتصاديات دول كثيرة كفنزويلا، فهو من موّل الانقلاب ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بطلب من خوان غوايدو دمية الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمتها في فنزويلا لتقود هذا الانقلاب.

إن ما يحصل اليوم في العالم شبيه جداً بما حصل في السنوات التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية، ما يجعل احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة أمراً جدياً، فالعالم بدأ يفقد الثقة بالعولمة.