تحقيقاتصحيفة البعث

وفاء لتضحياتهم الشهداء.. حقوق تنتظر التكريم على عرش الانتصار.. ومتطلبات تبحث عن  مؤسسة ترعاها

في السادس من أيار عام 1916 قام الاحتلال العثماني بإعدام أحرار سورية ولبنان في بيروت ودمشق، حيث اتخذ ذلك التاريخ عيداً وطنياً في البلدين لتخليد ذكرى شهداء تلك المرحلة الزمنية التي وقف فيها آنذاك أحرار بلاد الشام في وجه الاحتلال العثماني، وها هي اليوم ساحة المرجة في وسط العاصمة دمشق، ساحة الشهداء، شاهدة على الشموخ والكبرياء لأحرار تلك الفترة التاريخية المهمة على طريق التحرير والاستقلال، وطرد العثمانيين، لم تتوقف قوافل الشهداء عند ذلك التاريخ، بل استمرت أثناء الاحتلال الفرنسي، وخلال حروبنا مع الكيان الصهيوني، سواء في حرب الخامس من حزيران عام 1967، أو ما سمي نكسة حزيران، وبعدها حرب تشرين التحريرية عام 1973، ما خلّف عدداً كبيراً من الشهداء خلّدت ذكراهم بتسمية ساحات البلاد، ومدارسها، وشوارعها، وأهم مراكزها بأسمائهم، وصولاً إلى الحرب التي نخوضها اليوم، والتي دخلت عامها التاسع، وفيها قدمت سورية خيرة شبابها من شهداء، وجرحى، ومفقودين.

منارات مضيئة

كانت الدولة السورية من أوائل الدول التي كرّمت شهداءها، حيث قامت في عهد القائد المؤسس حافظ الأسد باحتضان عوائل وأسر الشهداء من خلال  تأسيس هيئة مدارس أبناء وبنات الشهداء، والاهتمام بكل ما يتعلق بهم حتى أصبحت تلك المدارس نموذجاً يحتذى به، ولم تتوقف حتى اللحظة عن قيامها بمهامها الموكلة بها، على الرغم من ازدياد أعداد الطلاب فيها بشكل كبير، وتعمل الدولة السورية على متابعة القضايا التي تتعلق بأسر الشهداء والجرحى، ولكن هذا لا يمنع من وجود تقصير ملحوظ من بعض المعنيين، ما حمّل أسر الشهداء أعباء هم أصلاً بغنى عنها، ولا طاقة لهم على تحمّلها، ومما لا شك فيه أن قضية الشهداء وجرحى الجيش والمفقودين تبقى مسألة وطنية بالدرجة الأولى، ولكنها تأخذ بعداً عالمياً طالما أنهم سقطوا دفاعاً عن الوطن، والمنطقة، والعالم في مواجهة الإرهاب العالمي.

لخدمة قضايا الشهداء والجرحى

اللواء المتقاعد باسمة الشاطر، مدير إدارة الخدمات الطبية سابقاً في وزارة الداخلية، وضحت أننا اليوم، ومع وجود عدد كبير من الشهداء والجرحى، وعدد كبير من المخطوفين، يفرض علينا  الوضع الراهن وجود  هيئة عليا، أو وزارة، أو جهة واحدة تكون هي الموكلة بالرعاية والاهتمام بأهالي الشهداء والجرحى، فأي شهيد أو جريح أو مفقود، الدولة هي المسؤولة عنه وعن أسرته، هذا الوضع الطبيعي، وطبعاً هذا يحتاج إلى قرار من أعلى الجهات يضع كل هذه الحالات من “الشهداء والجرحى والمفقودين” ضمن جهة واحدة تقوم بالتخطيط والتوجيه والتنظيم، ما نلمسه اليوم أن كل جهة تعمل بمفردها من محافظة لفرع الحزب للصحة لوزارة الداخلية والدفاع والشؤون الاجتماعية، لذلك من المفيد أكثر أن تنصب كل هذه المعالجات والمتابعات بمكان واحد عن طريق ربطها مع قاعدة بيانات أساسية تكون هي المنبع والأساس، ففي فترة ما قبل الحرب كانت هناك أمراض عادية لا تتعدى حالات بسيطة من السهل علاجها، ولكن اليوم لدينا إصابات بالغة، حالات شلل، حالات العمى والبتر، حالات لم نشاهدها مع كل أسف إلا في هذه الحرب، وهذه الحالات تحتاج إلى رعاية مستمرة ودائمة، فهؤلاء الشباب الذين قدموا وضحوا  بأغلى ما لديهم من واجبنا رعايتهم،  مضيفة: في وزارة الداخلية مثلاً قمنا بإنشاء مكتب لرعاية الجرحى داخل  إدارة الخدمات الطبية، والحالات التي تستطيع مراجعتنا نتمكن من تقديم المناسب لها، أما الحالات الصعبة فنحن من نذهب إليهم من خلال فرق العمل الموجودة في كل محافظة، ولكن يبقى هناك الكثير ممن لم نستطع متابعة قضاياهم لظروف معينة قد تكون لوجستية أو غيرها.

غياب تام!

عضو مجلس الشعب ديمة سليمان تتحدث عن معاناتها خلال السنوات الثلاث، وهي فترة تواجدها في مجلس الشعب، وعن الصعوبات التي واجهتها خلال طرحها لبعض المقترحات كضرورة وجود وزارة تعنى بالجرحى وذوي الشهداء المدنيين والعسكريين، ولكن دون جدوى، فهذا الطرح كان يتم وأده في مهده بحجة أن الدولة تقوم بواجباتها عبر مؤسساتها كافة من دون تقصير، وأن هناك مكاتب الشهداء العسكرية التي تقوم بهذه المهمة، مؤكدة أن هذا لا يكفي، خاصة للجرحى الذين تتراوح نسبة عجزهم بين 40 و70 بالمئة، فمكاتب الشهداء العسكرية لن تشملهم بخدماتها وميزاتها، وتضيف: أنا أخت لشهيدين أرى وأسمع التقصير، فمثلاً من له مصلحة من تقليص ميزات ممنوحة لشريحة والدي الشهيد، وحرمانهم من الاستشفاء المجاني الكامل وفق ما نصت عليه بطاقة الشرف؟! ولماذا يضطر الجريح لاستجداء عطف بعض رجالات الأعمال لشراء كرسي كهربائي له، أو تقديم بعض الدعم المادي أو الصحي؟! أليس هذا أكبر دليل على التقصير تجاه من دافع عنها وحمى أسوارها؟!..  عوائل الشهداء والجرحى تستجدي عطف الحكومة لتقديم دعم صحي أو خدمي أو غيره، الحكومة هي بالأساس مجبرة بهؤلاء الجرحى كمدنيين أولاً، وكجرحى حرب عسكريين ثانياً، نرى حالات تدمي القلب، وهناك تقصير واضح، والجميع ملام ومعني به، وهنا لا أبرىء أية جهة من التقصير، حتى اليوم لم نستطع استصدار تشريع حقيقي ينهض بالواقع التعيس للجرحى وذوي الشهداء، التماس المباشر مع الجرحى وبشكل يومي يجعلك تشعر بالعجز أمام جراحهم ومعاناتهم اليومية، فهل هم مضطرون ليطالبوا بحقوقهم؟ لماذا لا تكون مؤمنة دون حاجتهم للسؤال؟ حتى إن هناك حالات كثيرة لجرحى تفاقمت إصاباتهم بسبب الخشكريشا التي تتطلب علاجاً خاصاً ومكلفاً للجريح، ما يؤدي بالجريح للوفاة، وهنا لابد من الإشارة إلى غياب تام لوزارة الصحة!.

ميزات ولكن؟

بعض التوصيات التي صدرت تحدثت عنها عضو مجلس الشعب ديمة سليمان كمنح الشهيد الأعزب راتباً كاملاً، وتخفيض رسوم التعليم المفتوح والموازي والخاص للجرحى وذوي الشهداء، وإعطاء الأولوية بالمسابقات لهذه الشريحة من المجتمع، ولكنها جميعاً لا ترتقي لمستوى تضحياتهم، وعلينا ألا نجمل الأمور دائماً على حساب معاناة الآخرين، الاعتراف بالتقصير بداية الطريق الصحيح، برأيي الشخصي، مختتمة حديثها.

أدراج الرياح

تحدثت عضو مجلس الشعب ديمة سليمان عن بعض المقترحات التي قدمتها في مجلس الشعب، والتي لم تلق صدى حتى الآن كتخصيص جلسة لمناقشة قضايا وأمور عوائل الشهداء والجرحى بحضور بعضهم كضيوف شرف وفق القوانين والنظام الداخلي في المجلس، أيضاً تكريم الجرحى الذين قرروا متابعة تحصيلهم العلمي بعد إصابتهم، وتشجيعهم للدخول إلى سوق العمل، وحتى تسليمهم مناصب ومسؤوليات، وإنشاء مدخل خاص أمام مجلس الشعب لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ إن هناك حالات جرحى بنسب عجز كبيرة تراجع المجلس، وليس هناك مدخل مخصص لهم، ما يضطر لاستقبالهم في الشارع أمام المجلس، وهذا معيب بحقهم وحقنا، أيضاً من بين المطالب التي تسعى سليمان لتحقيقها وجود فريق طبي يقوم بالتنسيق مع الجانب الروسي والأصدقاء للوصول إلى نتيجة إيجابية بخصوص جرحى الخلايا الجذعية، وأخيراً وجود بانوراما تخلّد تضحيات هؤلاء الجرحى والشهداء عبر الاحتفاظ بما تركوه خلفهم من مقتنيات، سواء أثناء تواجدهم في ساحات المعارك، أو خلال حصارهم، ولكن بعد ثلاث سنوات، تقول سليمان، شعرت باليأس لأني لم ألق آذاناً صاغية!.

مبادرات فردية

بعض المبادرات تستحق كل الاحترام، قام بها جرحى الحرب أنفسهم لتكون سنداً لكل من هو بحاجة للدعم، واحدة من أهم هذه المبادرات كانت “جرحك شرف” التي قام بتأسيسها شباب جرحى من أفراد الجيش العربي السوري لم تمنعهم إصابتهم من التفكير بغيرهم من رفاق السلاح، الشهيد الحي داني ميلانة يتحدث عن ضرورة وجود جهة ناظمة تكون مرجعاً لذوي الشهداء والجرحى لتسهيل أمورهم، لأن الكثير من الجرحى يعانون لتحصيل أي حق من حقوقهم، سواء فيما يخص العلاج، أو غيره من الأمور، وهذا ما وافقه عليه رفيق سلاحه وشريكه في مبادرة جرحك شرف، وميلاد علي الذي تحدث عن أن ملف الجرحى والشهداء تديره أطراف متعددة، وكل منهم مسؤول عن شيء معين، وهذا الأمر يسبب الكثير من التأخير، ما يزيد معاناة الجرحى وذوي الشهداء في تحصيل حقوقهم، فبدلاً من التشتيت الحاصل بين هذه الأطراف كالتأمينات، والمعاشات، ومكاتب الشهداء، ووزارة الشؤون الاجتماعية، والأمانة السورية، والجمعيات الخيرية، وغيرها، لماذا لا يتم إصدار مرسوم بإحداث هيئة مستقلة للشهداء والجرحى العسكريين لتسهيل أمورهم، هيئة تضمنا وتضمن حقوقنا ومصالحنا؟!.

نحن اليوم أمام مسؤوليات كبيرة جداً وضخمة، قضية الشهداء وذويهم والجرحى والمفقودين قضية وطنية وإنسانية بامتياز، لذلك علينا أن نكون على قدر المسؤولية، وأن نترجم الكلام إلى أفعال، فمهما قدمنا سنبقى مقصرين أمام تضحيات هؤلاء الشباب، وأمام جراحهم وألمهم.. عيد الشهداء له اليوم طعم خاص، فبعد كل هذه السنوات من الحرب ضد الإرهاب، لابد أن تزهر دماء شهدائنا وجرحانا لتكون قيامة سورية من جديد بفضل رجالها وشبابها.

لينا عدرة