دراساتصحيفة البعث

اليوم العالمي “لحرية الصحافة”

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ستراتيجك كالتشر 6/5/2019

يبدو أن نبأ اختطاف الدبلوماسيين البريطانيين والكنديين خلال الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة مزحة ثقيلة للغاية، ولكن هذا ما حدث مؤخراً في بيروت عندما مرّ هذا اليوم الميمون. هذا الحدث جعل البعض في الشرق الأوسط يتساءل عما إذا كان يمكن للصحافة أن تلعب أي دور في تحسين الحوكمة وتشجيع الدول على الديمقراطية.

في الحقيقة لا يمكن للصحافة فعل ذلك، لأن الغرب قد قرّر أنه لا يريد للصحافة أن تلعب أي دور على الإطلاق، في وقت يقبلون أن تمارس الصحافة تغريدات مزيفة على تويتر من قبل الدبلوماسيين الذين يدعمون تدمير حكوماتهم لوسائل الإعلام في الشرق الأوسط، بالتوازي مع حملات المراوغة التي تزعم دعمها لمؤسسة السلطة الرابعة.
يظهر النفاق عندما يعطي اليوم العالمي لحرية الصحافة للدبلوماسيين الغربيين في دول الشرق الأوسط الفرصة لملء قنوات وسائل الإعلام بمزيد من الأكاذيب أكثر مما هو معتاد، حيث تتحدث الصور والخطب للشخصيات الغربية عن أهمية الصحافة “باسم تعليق” الديمقراطية.
يتجلّى النفاق المطلق عندما تجري الأمور على هذا النحو: تخيّل مجموعة من ممثلي الحكومات الغربية يتوجهون إلى المناطق التي تعاني من المجاعة في أفريقيا، والمحاطة بمئات الجثث التي يغطيها الذباب بينما تتشبّث الأمهات بجثث أطفالهن. تخيّل العبارات التي سيقولها هؤلاء الأشخاص تجاه هذه الفظائع أو مثل هذه المجاعة سيقولون شيئاً مثل: “.. إننا ندعم مهنة الطب، نحترم الأطباء، نقدّر عملهم ونؤكد أنه لا شك في أن التزامهم الشجاع والنبيل والدواء المنتج في شركات الأدوية الغربية ضروري جداً لمنع حدوث ذلك مرة أخرى”، بينما يسأل أحد الضحايا الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة: لكن يا سيدي، لماذا لا ترسلون إلينا بعض الأطباء وهذا الدواء الذي تتحدث عنه؟ لماذا لا تساعدون في تدريب أطبائنا على نحو أفضل وتمنحوننا الأموال لبناء المستشفيات وتزودون بلادنا باللقاحات الخاصة بنا؟ فيبتسم الدبلوماسيون في هذه اللحظة الحرجة ابتسامة العاجزين.
هذا المشهد هو بالضبط الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى الصحافة (الأطباء والطب) ويتعامل مع الحوكمة (باعتبارها وباءً يرفض علاجه) في البلدان نفسها التي يدعمون الأنظمة الدكتاتورية فيها والتي تقتل الأبرياء. لا ينبغي لنا أن نتوقع من الرئيس ترامب أن يقضي على أردوغان بسبب زجه أعداداً كبيرة من الصحفيين، حطّمت الرقم القياسي، في السجون التركية.
هناك حجة قديمة مفادها أن الصحافة قد ماتت في هذه البلدان، ولكن ربما يكون من الأدق القول بأنها ماتت فعلياً في الدول الغربية، وأن الأمل في عدد قليل من الصحفيين الجريئين المتفردين في بعض الدول يتمّ إسكاتهم، لأن الغرب أظهر أن هذه الأنظمة تولي القليل من الأهمية للصحافة كأي نوع من الأدوات الفعّالة لتحسين حقوق الإنسان أو الحكم.
اليوم العالمي لحرية الصحافة ما هو إلا مهزلة لكنه يذكرنا بمبدأ القانون، فبعد سنوات من مقاضاة الصحافة من قبل السياسيين بتهمة التشهير التي فضحت كسبهم غير المشروع، نرى أن السياسيين أنفسهم يناصرون حرية التعبير كي يتمّ استخدامها لمصلحتهم. في 90٪ من الحالات، أولئك الذين يتابعون الحديث عن حرية التعبير وأهمية الصحافة، هم عادة الأشخاص الذين يشكّلون جزءاً من المشكلة نفسها، فكل ما تسمعونه من السياسيين والدبلوماسيين الذين يتحدثون عن حرية التعبير، عادة ما يكون هراء!!.