اقتصادزواياصحيفة البعث

مهمة حكومية..!؟

يعتقد الكثير من الاقتصاديين أن القيادة في كل الأسواق، هي لمن يملكون قرار توجيه الاستثمارات فيها؛ لأنهم يبحثون عن تعظيم ثرواتهم وأحجام صناديقهم الاستثمارية، وعليه فلا بد أن يحركوا الأموال باتجاه ما يحقق لهم الربح، لذلك لن يغيروا استراتيجيتهم التي تبنى على دراسات وقراءات تفصيلية بسهولة، إلا في حال وقوع أحداث كبرى غير متوقعة تمامًا، كالحروب مثلاً، ومع ذلك تجد أن لديهم أدوات تحوط، وقدرة على امتصاص المفاجآت، والتعامل معها، واقتناص الفرص فيها.

ما تقدمنا به نابع من وجود إشكالية ناتجة عن اختلاف القناعات والاعتقادات حول من يقود الأسواق، سواء المالية أو العقارية أو السلعية وغيرها؛ فهناك من يرى أن الحكومات هي القائد، وبعضهم الآخر يعتقد أن المستثمرين الاستراتيجيين هم قادة السوق، لكن لا بد من التفريق بين من يقود الأسواق ومن يحركها، وكذلك من يؤثر فيها.

فالاعتقاد الذي يذهب لاعتبار الحكومات هي من تقود الأسواق ينظر إلى ما تملكه من أدوات تمكنها من توجيه الأسواق عبر سياسات نقدية ومالية واقتصادية، وحزم من التشريعات والتنظيم، لكن مثل هذا الاعتقاد يضعف عند النظر إلى مجمل الناتج المحلي، وحجم حركة السيولة وجذب الاستثمارات بالاقتصاد، وكذلك معدلات البطالة؛ وهو ما يعني أن للحكومات دورًا رئيسيًّا مؤثرًا، لكن ليس بالقائد المطلق؛ فقد لا يشهد الاقتصاد ردة فعل أو تجاوبًا إيجابيًّا سريعًا مع الإجراءات التي تتخذها الحكومات بحيث ترتفع وتيرة النمو وتنشط القطاعات الاقتصادية كافة؛ لأن القطاع الخاص أو المستثمر لم يتفاعل بالشكل المتوقع.

أما الاعتقاد بأن المستثمرين هم قادة الأسواق، فمبني على أنهم هم من يملكون قرار استثمار المال الذي يحرك الاتجاه لأي سوق، مع ملاحظة أن الصناديق الاستثمارية مشمولة بفئة المستثمرين، وأي مؤسسة مرخصة تدير أموالاً للغير، فتقديرات كبار المستثمرين من صناديق استثمارية وخصوصًا صناديق التحوط، وكذلك صناديق التقاعد وشركات التأمين وغيرها من المؤسسات الاستثمارية هي مَن توجِّه الأسواق فعليًّا، ولذلك فدراساتهم وتحليلاتهم للسياسات العامة بأي اقتصاد وما ستنعكس عليه من أثر بكل مفاصل القطاعات، هي من تحدد في النهاية قرارهم مع الأخذ بعوامل عديدة، سواء داخل الدول أو على مستوى العالم..

لكن في المقابل يمكن للحكومات أن تتخذ إجراءات بحسب ما تملكه من أدوات تخالف بها توقعاتهم، وتتخذ ما تخدم به المصلحة العامة التي قد تتنافى مع توقعات كبار المستثمرين، وهذا ما نتمنى أن يكون ديدن حكومتنا، التي عليها وزر وعبء قيادة قطاعاتنا الاقتصادية بأنجع الوسائل الممكنة، ومن خلال خطة استراتيجية تعيد التوازن لأسواقنا المختلفة، بما ينسجم مع المصلحة الأعم للدولة والمجتمع، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة والقاسية بمنعكساتها الاقتصادية والاجتماعية الموجعة.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com