دراساتصحيفة البعث

إدلب: أردوغان يريدها إمارة داعشية

الدكتور سليم بركات
إدلب هي المحافظة الأخيرة الواقعة تحت سيطرة المجموعات الإرهابية وبقيادة تركية وفي ظل احتلال تركي، وبتحرير إدلب تكون نهاية الحرب على الإرهاب، كما يكون انتصار الشعب العربي السوري في هذه الحرب الكونية التي استهدفته بمخطط امبريالي صهيوني رجعي، تحرير بالنسبة لحلفاء سورية يعدّ إظهاراً لمكانتهم البطولية في مواجهة الإرهاب، ليس على الساحة السورية فقط، وإنما على الساحة الدولية أيضاً ولاسيما بعد انكفاء أمريكا وحلفائها عن هذه المواجهة، ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن عملية تحرير إدلب تعدّ قمة الوفاء لروسيا في عهودها تجاه سورية. كيف لا وهذا الحسم مع الإرهاب يعدّ انتصاراً لروسيا، وسورية، وباقي محور المقاومة، حسم فيه تصفية المجموعات الإرهابية التي استهدفت قوات هذا المحور على الأرض السورية، كما استهدفت مرات ومرات القوات الروسية من خلال الطائرات المسيرة حيث تتواجد هذه القوات.
بالنسبة لتركيا التي تحتل الأراضي السورية بحجة تحجيم الدور الكردي، فثمة مراكز عسكرية لها تزيد عن 12 مركزاً في إدلب، تتقدمه المجموعات الإرهابية، ومن خلال تنظيمين يأتمران بالأوامر التركية، هما تنظيم ما يسمى بـ “جبهة النصرة” ، وتنظيم ما يسمى “هيئة تحرير الشام”، وتركيا تحاول دمج هذين التنظيمين بتنظيم واحدة تطلق عليه “جبهة تحرير سورية”، هذه الجبهة التي تضمّ “جبهة النصرة”، التنظيم المصنف إرهابياً من قبل الأمم المتحدة، “أحرار الشام، فيلق الشام، جيش الأحرار، ومجموعات أخرى تقاتل تحت لواء الجيش الحر” وغير ذلك من مجموعات إرهابية تستهدف تدمير سورية وتقسيمها وفق مخطط امبريالي صهيوني تلعب تركيا الدور البارز فيه.
كل هذا جعل من سكان إدلب يستغيثون من وطأة الإرهاب الذي يجثم على صدورهم، فإدلب وهي في موقع القلب من الوطن سورية، تنتظر بفارغ الصبر بواسل القوات المسلحة السورية لإنقاذها وتحريرها، إنها بشوق لاحتضانهم في ساحاتها وعلى تلالها، وهي مطمئنة لتقدمهم ومن معهم من القوات الحليفة والرديفة نحوها، بعد التحضيرات الكبرى لهذه الغاية، وعلى الجبهات كافة، كيف لا وهذه القوات ترابط على تخومها وأريافها مستعدة للحظة الفاصلة، التي تفتح من خلالها جبهات القتال على مصراعيها دفعة واحدة، وعلى مراحل مدروسة بدقة حرصاً على حقن الدماء بين أبناء الوطن الواحد سورية. كيف لا وهذه المجموعات الإرهابية ومن لف لفها قد رفعت من جاهزيتها بناءً على أوامر أسيادها، وهي تصعّد في مواجهة الجيش العربي السوري عسكرياً، عبر وسائل إعلامها، والإعلام الحليف لها. تصعيداً يحتمي بخطاب إنساني كاذب، فيه المناورة ليتحول إلى ورقة فاعلة تدفع بالحليف الامبريالي الصهيوني الرجعي لإبقاء إدلب تحت سطوة المجموعات الإرهابية، ومنع أي تقدم للجيش العربي السوري لتحريرها، حتى لا تتحول إلى إمارة داعشية كما يريد لها أردوغان وحلفاؤه.
الاحتمال الكبير أن الحسم في إدلب بات قريباً، لأن ثمة العديد من العوامل التي تدفع إلى ذلك، وتأتي في طليعتها الاشتباكات اليومية الإجرامية بين المجموعات الإرهابية التي تنغص حياة سكان إدلب، زد على ذلك التنسيق التركي مع هذه المجموعات والذي يستهدف السلطة الشرعية السورية، هذا بالإضافة إلى التنسيق الروسي التركي المستمر لحسم الخلافات وما يترتب عليها من حلول سياسية وعسكرية، وإن كان من المستبعد أن يتضمن هذا التنسيق أياً من الحلول أو الاتفاقيات السياسية بسبب وجود هياكل أخرى لمثل هذه الحلول عند الضرورة، الأمر الذي يطرح خيارات عسكرية روسية تركية مشتركة يمكن تلخيصها بخيارين، أحدهما عملية عسكرية مشتركة تركية روسية ضد المجموعات الإرهابية، لكن مثل هذا الاحتمال مستبعد لأنه يرتب عملية محفوفة بالمخاطر، وروسيا ترفضه لأنه بدون مشاركة سوريّة من جهة، ومخالف لاتفاقيات الدول الضامنة من جهة أخرى. والثاني أكثر عقلانية وواقعية، وهو أن تتصدى تركيا بمفردها لحل مشكلة هذه المجموعات الإرهابية، إما بفتح الطريق لخروجها من إدلب، أكان ذلك عن طريق الدبلوماسية، أم كان ذلك عن طريق القوة، وهذا ما تقدر عليه تركيا قولاً وفعلاً، وهي بهذه الحالة تكون قد صدقت مع نفسها أولاً، ومع الدول الضامنة ثانياً، وبالتالي تكون قد جنبت إدلب الكارثة الإنسانية التي تدعيها لكن هيهات.
الهدف واضح بالنسبة للجيش العربي السوري والقوات الرديفة له، لتحرير ما تبقى من الأراضي السورية الواقعة تحت الاحتلال، وهو تحرير الأرض من “جبهة النصرة” وأسيادها غرباً ومن “داعش” وأسيادها شرقاً، إذ في إطار هذه المعادلة تبذل السياسة الأردوغانية التركية جهودها الملتوية على أكثر من صعيد لاحتواء المجموعات الإرهابية تطبيقاً لتفاهمات سوتشي بين روسيا وتركيا والتي بموجبها أنشئت منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب تتحمل تركيا فيها المسؤولية عن ضبط الأمن، لكن تركيا تلكأت، وناورت، ولم تلتزم بعهودها، ما دفع روسيا لمعاتبتها وتحذيرها، بأنها لن تسمح بوجود محميات إرهابية، وأنها تستعد لعملية عسكرية منظمة مع الجيش العربي السوري وقواه الرديفة بشكل فعال للقضاء على الإرهاب في منطقة إدلب، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن الخيارات التي تجنب إدلب هذه المعركة الطاحنة، ولاسيما في ظل عقبات كبيرة وضعتها في وجهها المجموعات الإرهابية بعد أن أضعفت مواقفها أمام روسيا وإيران، والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي خيارات تركيا لتجنيب حلفائها من المجموعات الإرهابية هذه المعركة إذا أخذنا بالاعتبار أن الاتفاق الروسي التركي في سوتشي لن يخرج عن حماية المدنيين فقط، ولا علاقة للقوى العسكرية في هذا الاتفاق؟.
اللافت للنظر هو صمت نقاط المراقبة التركية العسكرية المنتشرة في تلك المناطق، والتي نتمنى لها ألا تشتبك مع الجيش العربي السوري، ولن تشتبك عند المحك، حتى ولن ترد على مصادر النيران السورية في مواجهة الإرهاب، لأنها تدرك تماماً أن القوات السورية مدعمة بالحق العربي السوري وبالقوى الرديفة المناصرة لهذا الحق، كما هي مدعمة بالشرعية الدولية وبالدول الضامنة لمقررات أستانة التي تؤكد بمجموعها الحرص على السيادة السورية واحترامها، وهذا واضح من خلال مذكرة التفاهم بين الدول الضامنة التي تنصّ على إنهاء وجود المجموعات الإرهابية، والتي لا يمكن الصبر على أعمالها الإجرامية إلى ما لا نهاية، وربما كانت هذه الدول الضامنة أو بعضها على علم بساعة الصفر لهذه المعركة، وهذا يعني أن القضاء على الإرهاب قد أصبح يحتل سلم الأولوية ليس على صعيد سورية والمنطقة فقط، وإنما على صعيد العالم أيضاً، كما يعني أن روسيا مستمرة إلى جانب سورية في مواجهة الإرهاب بكل ما تحمل الكلمة من معنى. ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن المشاركة التركية في مواجهة الإرهاب إلى جانب روسيا وإيران ستكون بعيدة عن أي عمل مشترك في مواجهة المجموعات الإرهابية، وإن كان هنالك من عمل فسيكون بعيداً عن الاقتحام البري، أو الضربات الجوية التركية، الأمر الذي يؤكد احتمال الحياد التركي تجاه مواجهة المجموعات الإرهابية في هذه المعركة، لتبقى متروكة وهي تلاقي مصيرها المحتوم على أيدي بواسل الجيش العربي السوري، عندها وبعد الحسم في معركة إدلب ستكون يقظة شعوب هذه المنطقة وفي الطليعة الشعب العربي من أحلامها، التي روجها الغرب الامبريالي الصهيوني لعقد دموي من الزمن تحت شعار ما يسمى بالربيع العربي.
بقي أن نقول: إنّ إدلب اليوم تمثل بؤرة الإرهاب العالمي الذي تمركز في سورية ولابد من تصفية هذه البؤرة، من خلال حملة عسكرية مركزة تستهدف الإرهاب و مصادر تمويله، وفضح الدول الداعمة له، نقول ذلك ونحن نؤكد بأن إدلب لم تكن منذ بداية هذه الحرب الإرهابية على سورية وحتى يومنا هذا، سوى مكباً للنفايات الإرهابية وقد آن الأوان لتنظيفها.