دراساتصحيفة البعث

“صفقة القرن”.. مباركة أمريكية لسرقة الأراضي الفلسطينية

هيفاء علي

هو عنوان مقال للكاتب والصحفي البريطاني المستقل جوناثان كوك، المقيم في الناصرة في فلسطين المحتلة، وله ثلاثة مؤلفات عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يتحدث فيه عن الوثيقة المسرّبة المتعلقة “بصفقة القرن” التي وصفها بأنها تعطي انطباعاً عن خطة سلام كان من الممكن أن يضعها وكيل عقاري أو تاجر سيارات، لافتاً إلى أنها توليفة لطموحات اليمين الإسرائيلي في إنشاء” إسرائيل الكبرى”، مع تقديم بعض التنازلات لتخفيف حدة الفلسطينيين، هذا بالضبط ما ستبدو عليه “اتفاقية القرن” وفقاً لتصريحات جاريد كوشنر، صهر ترامب الذي قدم عرضاً للخطة الشهر الماضي.
وبحسب كوك فإن مصدر هذه التسريبات هو صحيفة “إسرائيل حايوم” التي تعود ملكيتها إلى شيلدون اديلسون، الملياردير الأمريكي للكازينوهات، وأحد المانحين الرئيسيين للحزب الجمهوري، والمساهم الأساسي في صندوق حملة ترامب للانتخابات الرئاسية، كما أنه حليف مخلص لنتنياهو، حيث كانت صحيفته المتحدث باسم الحكومات المتطرفة في العقد الماضي، وبناء على ذلك، يتمتع اديلسون وصحيفته بسهولة الوصول إلى شخصيات بارزة من الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، ورداً على هذه التسريبات أشار مسؤول في البيت الأبيض إلى أن الوثيقة التي تم تسريبها غير دقيقة و”مزورة”، وإذا تبيّن أن الوثيقة المسربة هي الأصلية فإنها ستثبت تورط نتنياهو في تسريبها.
وأشار كوك وفقاً للوثيقة المزعومة إلى أنها ستكون كارثية على الشعب الفلسطيني، ولكن من وجهة نظر معينة فإن الكشف عن نص الاتفاقية قد يكون وسيلة فعالة لنتنياهو وإدارة ترامب لاختبار مجرى المياه، وإطلاق بالون اختبار لتحديد ما إذا كان يجرؤ على نشرها، لكن هناك احتمالاً آخر، فربما توصل نتنياهو إلى أن القيام علناً ونشر ما يفعله سراً قد يكون أمراً غير مرحب به، وقد يدفع ثمنه غالياً، لذلك من الأفضل تجنبه في الوقت الراهن، بكل الأحوال، سواء تم الكشف عن “صفقة القرن” أو لم يتم، فإن الوثيقة التي تم تسريبها، إذا كانت صحيحة، فإنها تعطي نظرة ثاقبة حول طريقة تفكير ترامب، إذ يبدو أن فريق ترامب الخاص بالشرق الأوسط بدأ في تنفيذ الخطة في الأشهر الثمانية عشر الماضية: انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بضم إسرائيل غير الشرعي لمرتفعات الجولان السوري المحتل.
ويضيف الكاتب: “وفقاً للوثيقة المسربة، ستتم تسمية الجزء الفلسطيني المقترح “فلسطين الجديدة” الذي يخفي حقيقة أن هذا الكيان منزوع السلاح سيكون مجرداً من الخصائص والقوى المرتبطة بالدولة، وعليه فإن “فلسطين الجديدة” سوف توجد فقط على جزء ضئيل من فلسطين التاريخية، وسيتم ضم جميع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهو ما يتماشى مع تعهد نتنياهو قبل فترة وجيزة من الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي، ما يعني أن “فلسطين الجديدة” ستشكّل فقط 12% من فلسطين التاريخية، بمعنى آخر، يبدو أن إدارة ترامب مستعدة لمباركة “إسرائيل الكبرى” التي تضم 88% من الأراضي المسروقة والمسلوبة من الفلسطينيين على مدار العقود السبعة الماضية.

“فلسطين الجديدة”
يشرح كوك ما تعنيه “فلسطين الجديدة” بأنها ستوجد كسلسلة من الكانتونات المنفصلة تحيط بها مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية، أي سيتم تقطيع أوصال فلسطين إلى أجزاء لا مثيل لها في العالم، “فلسطين الجديدة” لن يكون لديها جيش، وإنما فقط قوة شرطة بأسلحة خفيفة، ويمكن أن تكون بمثابة سلسلة من البلديات المنفصلة، ومن الصعوبة بمكان تخيل كيف ستغير “فلسطين الجديدة” الواقع المأساوي للشعب الفلسطيني الذي سيتعين عليه التنقل بين هذه الكانتونات فقط عبر الطرق الطويلة والأنفاق.
ويضيف: الميزة الوحيدة المقترحة في الوثيقة المزعومة هي مشروع رشوة من الولايات المتحدة وأوروبا، وتمويلها الأساسي من دول الخليج النفطية لتخفيف مطالب الفلسطينيين، وسرقة أراضيهم وسيادتهم، إذ ستوفر هذه المشيخات حوالي 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمساعدة “فلسطين الجديدة” على إنشاء وإدارة بلدياتها، وباعتبار أن 12% من فلسطين التاريخية المنسوبة للفلسطينيين هي أفقر منطقة من حيث الموارد المائية، والتماسك الاقتصادي، والموارد الرئيسة القابلة للاستثمار مثل محاجر الضفة الغربية، فمن الطبيعي أن يغرق “الكيان المعلن” بعد إضعاف التدفق المالي، وحتى لو وافق المجتمع الدولي على إطلاق المزيد من الأموال، فان “فلسطين الجديدة” ستعتمد كلياً على المساعدات إلى الأبد، وستكون الولايات المتحدة ودول الخليج قادرة على فتح أو إغلاق صنبور المساعدات وفقاً “لسلوك الفلسطينيين” كما يحدث الآن، وقد يكون جزء كبير من هذه المساعدات البالغة 30 مليار دولار في جيوب الجيش الإسرائيلي، تماشياً مع رغبة ترامب في دفع المكسيك لدفع ثمن بناء الجدار على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، والذي يبدو أنه يريد من الشعب الفلسطيني أن يدفع لإسرائيل ثمن توفير الأمن العسكري، ويلفت كوك الانتباه إلى أن الوثيقة المزعومة تشير إلى أن دول الخليج المنتجة للنفط هي الرابح الأكبر من الاتفاقية، ما يدل على طريقة بيع الصفقة لدول الخليج، والشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر فيها.
ويتابع كوك شرح التسريبات بالتفصيل: توصف القدس بأنها “عاصمة مشتركة”، لكن الوثيقة المسربة تقول شيئاً آخر، حيث سيكون جانب واحد فلسطينياً، والآخر غرب “إسرائيل”، وستدير المدينة بلدية موحدة تحت سيطرة إسرائيل تماماً كما يحدث اليوم، وسيكون التنازل الهام الوحيد للفلسطينيين هو أنه لن يُسمح للإسرائيليين بشراء المنازل الفلسطينية، ما يمنع على الأقل من الناحية النظرية الاستيلاء على القدس الشرقية من قبل المستوطنين اليهود.
علاوة على ذلك، بما أن الفلسطينيين في القدس سيكونون مواطنين في “فلسطين الجديدة”، وليس إسرائيل، فإن أولئك الذين لن يتمكنوا من الإقامة في القدس تحت الحكم الإسرائيلي لن يكون لديهم خيار سوى الهجرة إلى إسرائيل، سيكون هذا بالضبط شكل التطهير العرقي البيروقراطي نفسه الذي يعاني منه الفلسطينيون في القدس، سيُسمح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، كما كان الحال قبل اوسلو، ويفترض، كما كان من قبل، فقط في الوظائف الأقل أجراً، والأكثر خطورة في مواقع البناء، والأراضي الزراعية.
من المفترض أن يؤدي ممر أرضي يحرسه على الأرجح مقاولون عسكريون إسرائيليون يتعين على الفلسطينيين دفعه، إلى ربط غزة بالضفة الغربية، وتأكيداً للمعلومات السابقة حول خطط إدارة ترامب، ستكون غزة مفتوحة أمام العالم، وسيتم إنشاء منطقة صناعية، ومطار في إقليم سيناء المجاور، تحقق إسرائيل بالفعل جميع هذه الأهداف: سرقة الأرض، وضم المستوطنات، وتوطيد سيطرتها الحصرية على القدس، وممارسة الضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم، والتوجه إلى الدول المجاورة، دون إعلان رسمي أن تلك خطتها.
ويختم جوناثان كوك الشرح بالتحذير من غضب الفلسطينيين الذين سيشعلون انتفاضة جديدة، وسيكون من المستحيل على المدافعين عن إسرائيل الاستمرار في إنكار أن إسرائيل تنفذ تدمير مستقبل الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره وسلامته، فإذا كانت هذه هي نسخة ترامب من السلام في الشرق الأوسط، فهو يلعب لعبة الروليت الروسية، وقد يتردد نتنياهو في السماح له بسحب الزناد.