تحقيقاتصحيفة البعث

لا تسر الخاطر المؤشرات السكانية في السويداء.. اختلال في المعادلة الديمغرافية لصالح كبار السن.. وسوق عمل بعمالة أنثوية 

 

لا يحتاج الباحث الكثير من الجهد لاكتشاف المشكلة السكانية في السويداء أو ما يسمى النقمة الديمغرافية، فعينة بسيطة من أحد الأسواق كفيلة بمعرفة تراجع نسبة الشباب لصالح كبار السن والنساء. وهذا يجعلنا نقف ونتساءل عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع الواقع الراهن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن اختلفت مدخلات سوق العمل لجهة الأيدي العاملة التي تغذيها وفرص العمل المتوفرة.

قاطرة النمو

منصور غنام مدير التخطيط في السويداء بيّن أهم المشاكل السكانية التي تعاني منها المحافظة أولها الهجرة وكذلك البطالة وانخفاض معدل النمو وهي مشاكل تشكل هاجساً أساسياً، ولحلها لابد من فتح فرص عمل عبر تشجيع القطاع الخاص والتوسع في قروض المشاريع الصغيرة وعدم الاتكال على الدولة فقط في تأمين فرص العمل خاصة وأن معظم طالبي العمل هم من خريجي الجامعات وأكد غنام ضرورة معالجة نقاط الضعف في السويداء وأهمها الهجرة الخارجية والداخلية وانخفاض عدد الولادات وانخفاض حجم العمالة الزراعية وارتفاع نسب كبار السن حيث بدأ مجتمعنا يتحول إلى مجتمع كهولي مع ارتفاع نسبة كبار السن وهذا نلاحظه بأم العين بجولة في الأسواق نجد أن النسبة العظمى هي إناث والنسبة الكبرى هي كبار سن وكذلك ارتفاع سن الزواج وهذا يضعنا أمام تحديات أهمها زيادة عبء البطالة خاصة البطالة الأنثوية وتزايد الفقر ، مبيناً أهمية استثمار الفرص المتاحة وهي المواءمة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي والأهم هو توسيع الاستثمار سواء الخاص أو التشاركي الذي يعتبر  نقطة هامة لتوسيع القاعدة الاستثمارية في المحافظة وإطلاق مشاريع حيوية وتأمين بيئة استثمارية ناجحة للمستثمرين عبر توفير البيئة وتقديم التسهيلات لتحقيق قاطرة نمو واستهداف المناطق التنموية في المحافظة بشكل متوازن.

انزياحات ديمغرافية

انفتاح النافذة الديمغرافية اصطدم مع الانزياح الديمغرافي الذي يشهده القطر عامة ومحافظة السويداء خاصة جراء الحرب. عبر تزايد عدد الوافدين إلى المحافظة وهجرة العديد من شبابها إلى الخارج انعكس على سياسات استثمار انفتاح النافذة الديمغرافية في المحافظة.

الأزمة خلقت انزياحاً ديمغرافياً يعود إلى عاملين أولهما ضحايا الحرب من الشهداء وهناك عدد من الشباب المفقودين والمخطوفين، أما العامل الثاني فهو الهجرة ومنها الهجرة الخارجية حيث اضطر عدد كبير من الشباب للهجرة لخارج القطر طلباً للرزق أو للتعلم وبموازاة ذلك كانت هناك هجرة داخلية حيث استقبلت المحافظة آلاف الأسر معظمها موزعة بين فئتي كبار السن أو الأطفال، كل هذه العوامل ساهمت بتوليد حالة من الانزياح الديمغرافي في المحافظة تعارض أو أثر على عملية انفتاح النافذة الديمغرافية.

مدير الإحصاء في السويداء ناجي حذيفة بيّن انفتاح النافذة الديمغرافية في السويداء في عام 2013 حيث دخلت بين عامي 2013-2018 أكبر قوة عاملة ومن بعدها بدأت بالتراجع حيث جاءت سنوات الحرب ولم يتم الاستفادة من انفتاح النافذة الديمغرافية فمن الملاحظ اليوم تراجع كبير في نسب العمالة من الذكور وهذا الموضوع مرشح للتفاقم لأننا لم نستثمر القوى العاملة بشكل صحيح حيث ارتفعت مؤشرات الهجرة الخارجية إذ ضاعت الفرصة التنموية التي قدمها انفتاح النافذة الديمغرافية وهي زج أكبر عدد من الأيدي العاملة الخبيرة في سوق العمل وسنشهد مزيداً من انخفاض النمو السكاني من 1,7٪ إلى 1,2% أي أن عدد سكان السويداء سيتضاعف كل مئة  عام مرة وهذا تهديد حقيقي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المورد البشري نعمة ويجب استثمارها خير استثمار في نمو عجلة الإنتاج.

وحذر حذيفة من مشكلة نقص العمالة التي ستعاني منها المحافظة وإن كان هناك فائض عمالة أنثوي حيث دخلت المرأة إلى سوق العمل للمساهمة في النشاط الاقتصادي رغبة منها في الخروج من المنزل وانحيازها لفكرة الاستقلال الاقتصادي وهذا يتطلب البحث عن مشاريع ذات خاصية أنثوية كمصانع الألبسة والأدوية وغيرها وتعزيز فكرة إنشاء الأسر عبر قروض الزواج.

إذاً لابد من إيجاد حل لمسألة انخفاض النمو السكاني والتحول إلى مجتمع متكامل فمن الخطأ زج كامل المجتمع في مجال التعليم فهو بحاجة للفلاح والعامل والمدرس وليس للمديرين فقط ولكن ما حدث أنه تم زج شريحة واسعة بالتعليم وتم تحضير الريف الذي بدأ يعتمد على المدينة واتجه نحو التحضر وهذا أدى إلى تحوله لمجتمع مستهلك بدلاً من منتج.

مؤشرات

قد يكون انفتاح النافذة الديمغرافية وتقاطعه مع بداية الحرب على سورية وما رافقه من تداعيات أثرت على تنفيذ برامج وخطط تنموية تنطلق من الاستفادة من هذه الهبة ومع ذلك شهدت المحافظة إجراءات حكومية لاستثمار انفتاح النافذة الديمغرافية عبر إطلاق مشاريع تنموية ومنها برنامج مشروعي الذي وفر آلاف فرص العمل حتى اليوم ويساهم في تحقيق التكامل بين العرض الذي يقدمه انفتاح النافذة الديمغرافية من أيد عاملة شابة وخبيرة وبين الطلب الذي يفترض أن تمثله حيوية الأسواق والنمو الاقتصادي.

وحول أهمية ذلك يشير مدير المرصد الحضري في السويداء المهندس فراس البعيني إلى أن انخفاض معدل الخصوبة ينعكس على انخفاض نسبة الأطفال للنساء وتراجع معدل النمو الطبيعي لسكان المحافظة ليهبط إلى أقل من 1% في عام 2025، مؤكداً على ضرورة الإسراع بالاستفادة من انفتاح النافذة الديمغرافية قبل فوات الأوان، فنسبة المسنين آخذة بالارتفاع التدريجي وترتفع معها من جديد معدلات الإعالة العمرية التي تسجل حالياً معدلات منخفضة نسبياً مشيراً إلى برنامج مشروعي واحد من البرامج الحكومية التي تهدف إلى الاستفادة من الأيدي العاملة والتي يوفرها انفتاح النافذة الديمغرافية وهذا يساهم في توطين الشباب في تلك المناطق ويحد من ظاهرة الهجرة التي تعاني منها المحافظة.

وبيّن البعيني  أن محافظة السويداء يوجد فيها اليوم متغيران: الأول معدلات النمو الاقتصادي والثاني معدلات النمو السكاني، وأن الكثير من الدول والحكومات تتعامل مع هذين المتغيرين بشكل متعارض أي أن ارتفاع النمو السكاني يؤثر على النمو الاقتصادي وهذا الأمر يشكّل حجة وشماعة تعلق عليه تلك الحكومات أسباب فشلها، مشيراً إلى أن ارتفاع معدلات النمو السكاني يجب أن يشكّل حافزاً لتلك الحكومات في رفع معدلات النمو الاقتصادي من خلال زيادة فرص الاستثمار وتوسيع الخيارات أمام الكتل البشرية الوافدة إلى سوق العمالة، مؤكداً على أن تلك الكتل البشرية في سن الشباب تشكّل رأس المال البشري، وهذا ما تحلم به الدول المتقدمة وحصلت عليه محافظة السويداء، أي وجود كتلة بشرية كبيرة من شريحة الشباب.

تداعيات النقمة

في تحقيق سابق كتبت “البعث” عن مخاطر عدم الاستفادة من انفتاح النافذة الديمغرافية في السويداء وتحولها لنقمة في حال عدم مواكبتها بخطط تلاقي عملية الانفتاح…اليوم نتحدث عن تداعيات النقمة التي حدثت جراء هذا الانفتاح من انتشار للبطالة وهجرة الكفاءات وتشكيل بيئة حاضنة لتداعيات الحرب ومفرزاتها، لابد من بدء دراسة الآثار المترتبة على ذلك ووضع حلول مستقبلية تستجيب لمتطلبات المرحلة القادمة لجهة طبيعة الأيدي العاملة المتوفرة واتجاهاتها، وكذلك انسجام سوق العمل معها.

 

رفعت الديك