اقتصادصحيفة البعث

بين جدوى إعادة ترميم الصوامع وتكاليف تخزين الأقماح  في العراء… مبالغ فلكية تنبئ عن خلل في رسم الاستراتيجيات

ظهرت تباشير الخير مع بدء استلام موسم القمح الحالي، إذ تشير توقعات وزارة الزراعة بموسم وفير يقارب الـ2.7 مليون طن مقارنة بالأعوام السابقة خاصة وأن الكمية المستلمة في العام الماضي بلغت نحو 300 ألف طن فقط، وذلك لعدة أسباب، أهمها الأمان الذي عاد إلى ربوع سورية بشكل شبه كامل ولاسيما مناطق زراعة القمح وعودة أصحاب مواطنيها واستقرارهم بالتوازي مع اعتماد استراتيجيات ناجعة ساهمت في زيادة كمية المحصول، إلا أنه وفي غمرة الحديث عن التحضيرات اللازمة لاستلام الموسم من الفلاحين ظهرت بعض علامات الاستفهام حول آليات وطرق تخزينه، والذي من المفترض أن تعلو سلم الأولويات للحفاظ على الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي، بالتوازي مع الحرص على سلامة المحصول وتوفير الفروقات المادية التي أنفقت على هذه الآلية.

في العراء

بالرغم من تأكيد المؤسسة السورية للحبوب على تأمين كافة مستلزمات التخزين من شوادر وأكياس وحبال لزوم تخزين أقماح في 37 مركزاً منتشراً في المحافظات، والبدء ببيع أكياس الخيش اللازمة لتعبئة الحبوب بسعر 700 ليرة للكيس الواحد يتم استرداد قيمته عند توريد الأكياس معبئة بالقمح، وجاهزية جميع المراكز فنياً وإدارياً، إلا أنه كان من اللافت تخزين المخزون المستجر من القمح في العراءات ضمن مناطق زراعية مجهزة بحسب تأكيدات مدير عام المؤسسة السورية للحبوب المهندس يوسف قاسم لاستقبال المحصول وتخزينه لفترات ليست بالقصيرة، ومزودة بمستلزمات قاربت تكلفتها مليارات الليرات نظراً لعدم جاهزية الصوامع والصويمعات التي تعرضت للأعمال الإرهابية ولم يتم ترميمها بعد، الأمر الذي رتب تكاليف مالية إضافية طائلة على المؤسسة لقاء ثمن مستلزمات التخزين، من شوادر وأكياس وحبال وأجهزة تعقيم، إضافة إلى تجهيز أماكن التخزين من خلال تسوية الأراضي وإزالة الأعشاب وحفر الخنادق لتصريف المياه حرصاً على سلامة الأقماح المخزنة، وتأمين كافة السجلات اللازمة لاستكمال العملية التسويقية.

نقاط مفصلية

الآلية المتبعة لا تخلو من بعض الإشكاليات الهامة التي تكمن في ارتفاع تكاليفها من جهة، ومساهمتها في زيادة نسب الهدر والتلف خلال التخزين والنقل إلى أماكن أخرى من جهة أخرى، إذ بينت مصادر مطلعة أن تكلفة تخزين القمح في العراءات تزيد عن تكلفة التخزين في الصوامع بحوالي 10 آلاف ليرة للطن الواحد، وذلك لقاء ثمن مستلزماته من الشوادر القماشية والبلاستيكية والأكياس والحبال وأجور عمليات العتالة من تحميل وتنزيل الموسم، ما يعني أن تكلفة تخزين 500 ألف طن بالعراء تقارب  خمسة ملايين ليرة، وبالتالي فإن تخزين مليون طن سيكلف نحو 10 مليارات ليرة، إضافة إلى نسبة الهدر الحاصلة من جراء تخزين القمح في العراء والتي تزيد بنحو ضعفين عن نسبته في الصوامع بحسب بعض المصادر، لنخلص إلى نتيجة مفادها تضاعف الخسارة بالمال والكمية، ما دفعنا إلى التساؤل عن عدم التوجه بترميم الصوامع والصويمعات بالسرعة المطلوبة لاستقبال موسمنا الحالي خلال الفترة السابقة مهما بلغت التكاليف لاسيما في ظل تقارب التكاليف بين العراءات وإعادة الترميم للحفاظ على كل حبة قمح، خاصة وأن الترميم أمر لابد منه.

وبالرغم من تأكيد المؤسسة البدء بإعادة تأهيل بعض الصوامع في محافظة حلب والتي قد تبلغ 6 صوامع، وإعلان جاهزيتها خلال الموسم المقبل، إلا أنها خطوة متأخرة في ظل ظهور إعلان التوقعات عن حجم المحصول المستجر، وعدد صوامعنا التي لا تزيد عن 20 صومعة.

إنفاق موجه

في الوقت الذي تشكل فيه التكاليف المالية حجر عثرة أمام عمليات ترميم الصوامع، نجد أن ترميم عشر صوامع يزيد من كفاءة المحافظة على المحصول من الهدر والتلف، إلى جانب إنفاق هذه التكاليف في مكانها الصحيح بدلاً من هدرها بالتقسيط على الآلية المتبعة، في مفارقة تطرح تساؤلاً عريضاً حول عدم الإسراع بعمليات الترميم لصالح التخزين بالعراء..؟ ليأتي الجواب حول التأخر بإنجاز أي ملف كملف الترميم هو غياب القيمة النقدية المباشرة لها، بالرغم من صرفها على دفعات خلال فترة التحضير لاستقبال الموسم..! ألا تعني هذه الاستراتيجية بالنهاية بأنها هدر مضاعف..؟ مع الإشارة هنا إلى أن الجهود المبذولة من قبل الحكومة برصد ما يقارب 400 مليار لاستجرار موسم القمح وإعطاء أسعار مشجعة للفلاحين 185 ألفاً للطن الواحد، وبما يزيد عن 60 ألف ليرة عن سعر القمح المستورد للطن الواحد حيث تم تنفيذ ثمانية عقود استيراد بقيمة إجمالية 125 مليار ليرة بحسب بيانات المؤسسة، إضافة إلى ما أنفقته على تأمين المستلزمات والتي ذكرناها آنفاً، يدل على قدرة الحكومة بتخصيص القيمة اللازمة لترميم الصوامع خلال فترة ما قبل استلام الموسم، ويدحض ذريعة غياب القيمة النقدية لذلك وخاصة أن الترميم سيتم عبر شركات محلية وليست أجنبية بحسب مصادر المؤسسة، بل يثبت التقصير في مسار التخطيط للترميم.

يشار إلى أن المؤسسة السورية للحبوب أعلنت عن افتتاح مراكزها في كافة المحافظات لاستلام أقماح الموسم الحالي من الفلاحين اعتباراً من الحادي عشر من الشهر الحالي.

فاتن شنان