الصفحة الاولىصحيفة البعث

في افتعال الحريق وتوجيهه

 

تذكّر لعبة حرق السفن الأربع في ميناء الفجيرة الإماراتية بكذبة أسلحة الدمار الشامل التي استخدمت كذريعة لغزو الولايات المتحدة للعراق، فلا الغموض، كما تعنون مانشيتات الصحف، هو الموقف المعلن لأطراف داخل اللعبة وخارجها، ولا انتظار جهة ما تتبنى سرد حبكة هشة هو الخطوة التالية، ولا حتى إضفاء المزيد من مشاعر الذعر داخل منطقة ملبّدة بالعواصف والأعاصير هو المطلوب. المسألة ببساطة تصعيد خطير جداً، هدفه “قياس ردود أفعال الأطراف المتوافقة والمتضادة” تجاه حرب جديدة بالمنطقة، مسرحها منطقة الخليج العربي.
إن قراءة متأنية لأبعاد الصراع في المنطقة ببعديه المباشر والبعيد، ومواقفه اللحظية الأخيرة، يكشف أن جهاز استخبارات متمرس يقف وراء العملية، وقد علّمتنا التجارب أن الاستخبارات الإسرائيلية بالتعاون مع استخبارات متواطئة فعلت الكثير في هذا المجال، ولعل في توافق مريب لسردية ردود الفعل الأمريكية والإسرائيلية والسعودية والإمارتية ما يشي أن إحراق السفن مجرد بداية لسيناريوهات متعدّدة تحت عنوان واحد هو محاربة إيران، والدليل على ذلك خطة القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان، والتي وضعت تحت ضغط من جون بولتون، لإرسال 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط.
ردّ الفعل الإيراني يكشف أن طهران قرأت الرسالة جيداً، وأن تحليلها العقلاني وردّها السريع يوضح أنها ملمة بتداعيات التحرشات التي قد تحدث، وأنها درست احتمالات خصومها الواقعية والمجنونة، واستعدت لها كل الاستعداد.
لكن كي لا نذهب بعيداً في التأويل والتهويل، لن تحدث الحرب غداً، لكن تذكّروا أن غزو العراق احتاج إلى سنوات من الاشتغال على الفكرة، ثم أن الجيش الأمريكي بعتاده وعديده لن يجتاح اليوم سواحل إيران، فقد انتهت لعبة الغزو التقليدي من فلسفة الترامبيين والمحافظين الجدد في إدارة الأزمات الدولية، وبتنا أمام جيوش تكفيرية من الداخل والخارج، تفعل ما يريده الأمريكي والإسرائيلي برصاصة خائنة وفتوى جاهزة للإيجار، إضافة إلى أن إحراق طهران هو هدف إسرائيلي معتمد منذ إقدام إيران على تحويل سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة لفلسطين في العام 1979.
ما حدث بالفجيرة خطير، وأن تكبير العينة المستهدفة إلى أربع سفن بدلاً من سفينة واحدة يشي بأن مجنوناً يلعب بالنار، ولا يعنيه، إن احترقت المنطقة كلها، طالما أنها ستحرق هدفاً بذاته.
وتبقى العبرة بأن الحرائق التي أصابت بيروت والجزائر وبغداد ودمشق وطرابلس الغرب وصنعاء وكاراكاس وغيرها الكثير، والتي كانت مفتعلة، ارتدت على فاعليها، ولكن الأمر زاد عن حدّه، وعلى المتضرّر وحلفائه أن يعيدوا النظر باستراتيجيات الرد والرد الاستباقي أيضاً، فمن يدري ما يخفيه المستقبل، فقد تحترق طهران، وقد تليها موسكو وبكين.
عمر المقداد