الصفحة الاخيرةزواياصحيفة البعث

حروف تقشّر الضوء

سلوى عباس

لماذا أكتب.. سؤال يؤرقني كلما جلست إلى طاولة الكتابة، علماً أن شغفي بالكتابة يعود إلى مرحلة الطفولة حيث كان الدفتر والقلم أدوات بوحي الذي أسكبه على الورق، ومع ذلك يلح السؤال وبشدة لماذا أكتب، فأحياناً أكتب لأن الكتابة تجربة تمنحني الكثير من الغبطة والسرور، فهي بالنسبة لي فعل حب أولاً حيث ما إن أمسك القلم حتى تنساب المفردات على صفحة روحي، وأحياناً أكتب لأكسر جدار الوحدة والصمت، وأفرّغ بعضاً من الضغط النفسي والإرهاق الذي أعيشه، ومرات عديدة أكتب لعله بالمصادفة يخلق قارئ ما فأكتشف كم يرضي غروري أن يكون لي قراء من مختلف الشرائح.. قراء يعرفوني من كتاباتي، فأعيد ترتيب حروفي وأزجيها لموج الحياة عساها أن تضيع على جزيرة فرح لا أعرفها فيسعد بها أناس يتعرفون عليّ من خلالها، وتلقى معانيها وراء المحيطات والبحار.

أحب الكتابة، رغم أنه أحياناً يحتجب الكلام عن صفحة أفكاري وتغلق الحروف امتداداتها وتسقط النقاط كثمار قبل أوان نضجها الشهي، ويبدو اتساع البياض في الورق عصياً على القلم أن يرتاح في مداه، فتبدو الكتابة هماً شائكاً لأننا مع الهم نكتب، ومع الحزن نكتب، ومن أسف أننا لا نكتب إذا كنا مسرورين لأننا ببساطة لا نفطن لأهمية تدوين لحظات فرحنا على قلتها، فكيف نبث أوجاعنا ولمن نبثها؟ أنكتب للفراغ الذي يتوسع على حساب همومنا الممتدة بلا نهاية.. للقلق الذي يتضخم في أنفسنا التي تبحث في سراديب الأسئلة عن أجوبة وجودها.. لمن يجب أن نصغي.. للقلب أم للعقل؟ وما الفرق بينهما.. من الذي سيقودنا للسلام والطمأنينة منهما.

إذا كانت قلوبنا موجوعة كيف لعقولنا أن تهتدي؟ وإذا كان عقلنا مشتتاً كيف ترتاح قلوبنا.. مأساتنا أننا نرغب الحياة المثالية بكل أبعادها، وفي آخر النهار ينام الكون كله بما في ذلك حلمنا المثالي ويبقى شيء واحد مستيقظاً هو واقعنا الموحش، وهو الوحيد الذي نريده أن يغفو لكنه يبقى مستيقظا، فهل أكثر من ذلك تناقض نعيشه مع واقعنا ومع أنفسنا والذي نريد أن نعيشه يبقى حلما، فأعمارنا  موحشة إن لم يكللها الحب، موحشة حتى الأرصفة والذكريات يوم نمر بها وفي أرواحنا تتسابق مذابح الألم والبكاء.. ربما نكتب لأننا نطمح للأفضل دوماً.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الضفة الأخرى من الحياة من يقرأ.. نكتب لأن الكتابة متنفس لأرواحنا في زحام الواقع.. نكتب من أجل الذين نحبهم، وربما نكتب لنكون سبّاقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل.. نكتب لنعيش الحياة بإيجابية، وسنبقى نكتب لأن عظمة أفعالنا تكمن في المحاولة مرة تلو الأخرى في أن نخرج من شرنقة ضيقنا ونترجم الأفكار التي تجول في خاطرنا إلى واقع ونسعى لتنفيذها.

بالكتابة نخفف عن أرواحنا وطأة البعد والمسافات، نكسر الصمت المُتعِب بيننا وبين الآخرين، نكتب لأن من نحبهم هم حبر كلماتنا، وربما أكتب لأنني في الكتابة أبدو كحورية من ندى تقشر الضوء عن النجوم فينهمر الياسمين وتولع النجوم ضياءها البهي، وتهمي النيازك في السماء كفراشات الربيع.