دراساتصحيفة البعث

“إسرائيل” واقع فعلي للتمييز العنصري

 

د. معن منيف سليمان
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966م، يوم الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام، يوماً عالمياً للقضاء على التمييز العنصري، تخليداً لذكرى شهداء المجزرة التي ارتكبها نظام الفصل العنصري في جنوبي أفريقيا. ففي هذا اليوم عام 1960 أطلقت شرطة نظام الفصل العنصري في جنوبي أفريقيا الرصاص على متظاهرين، خرجوا في مظاهرة سلمية في مدينة “شاربفيل”، ضدّ قوانين المرور المفروضة من قبل النظام العنصري هناك، فقتلت 69 شخصاً. ولقد انهارت فيما بعد الأنظمة العنصرية في أفريقيا “جنوبي أفريقيا وروديسيا”، ولم يبقَ في أوائل القرن الحادي والعشرين من الكيانات العنصرية إلا “إسرائيل” التي تمثّل واقعاً فعلياً لجميع أشكال التمييز العنصري.
جاء في اتفاقية القضاء على التمييز العنصري التعريف الآتي للتمييز العنصري: “يُعرّف التمييز العنصري على أنه أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل، يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي، أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أو التمتّع بها أو ممارستها على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة”.
وفي الأدبيات الصهيونية، فإنّ الصهاينة يعدّون العربي، على وجه العموم، والفلسطيني على وجه الخصوص، ضمن الأغيار الذين لا ملامح لهم ولا قسمات. ويشير “وعد بلفور” إلى سكان فلسطين العرب على أنهم “الجماعات غير اليهودية”، فالمشروع الاستيطاني الصهيوني يقوم على التمييز الحاد، والصهيونية تهدف إلى إنشاء كيان يهودي لا يضمّ أي أغيار، ومعظم المؤسسات الصهيونية “الهستدروت، والحركة التعاونية، والجامعات”، تهدف إلى ترجمة هذه العنصرية إلى واقع فعلي، كما أن فكرة “العمل العبري” تنطلق من هذا التصور.
وبعد ظهور الكيان الصهيوني، انطلق هيكله القانوني من هذا التقسيم، فقانون العودة هو قانون عودة لليهود، يستبعد الأغيار من الفلسطينيين، ودستور الصندوق القومي اليهودي، يحرّم تأجير الأراضي اليهودية لغير اليهود أو حتى استخدامهم للعمل فيها، ويمتدّ الفصل ليشمل وزارات الصحة والإسكان والزراعة.
ومن الضروري أن يُشار أيضاً إلى أن “مقولة الهوية اليهودية” في السياق الصهيوني الاستيطاني، ليست مجرد مقولة نفسية أو فلسفية أو دينية، فهي مقولة قانونية تحمل مضموناً سياسياً واقتصادياً محدّداً، فلليهودي في الكيان الصهيوني مزايا وحقوق معينة لا يتمتّع بها غير اليهودي، كما أن ثمة وكالات ومؤسسات صهيونية عديدة يموّلها يهود الخارج، وتعدّ الترجمة الفعلية والمؤسسية للمقولة هذه، فهي مؤسسات تمدّ يد المساعدة لليهود فقط، وتحجبها عن غير اليهود، وبذلك يمكن القول: إن التعريف الصهيوني لليهودية هو الأساس النظري للممارسات الصهيونية العنصرية ضد العرب، بل إن عمليات ضمّ الأراضي تتمّ تحت هذا الاسم.
وفي هذا السياق أيضاً يجب أن يُشار إلى الممارسات الإرهابية ضدّ المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، باتباع أساليب القتل والتعذيب، حيث يجيز القانون تعذيب المعتقلين، واتباع سياسة تكسير العظام، التي دشّنها الإرهابي “إسحق رابين”، لتستخدم ضدّ أطفال الانتفاضة، علاوة على ذلك هناك سياسة تهويد المعالم العربية، وهدم الأقصى والمنازل، ومعاقبة السكان بالحصار الاقتصادي، ومنع الغذاء، وأساليب الطرد والتهجير.
وقد لجأ النظام العنصري الصهيوني في “إسرائيل” إلى اتخاذ إجراءات قانونية للتخلّص من السكان العرب الأصليين وتغييبهم، وعلى هذا الأساس شرّع ما يُسمّى “قانون العودة” الذي صدر عام 1950، ويمنح هذا القانون بشكل آلي جميع اليهود في العالم حق الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، وقد جاء في القانون أن من حق كل يهودي أن يأتي إلى “إسرائيل” كمهاجر، وأن تمنح تأشيرة لكل يهودي يعرب عن رغبته الاستقرار في “إسرائيل”. وهكذا أصبح من حق أي يهودي، حتى وإن لم تطأ قدماه أرض فلسطين من قبل، أن يستقرّ في “إسرائيل”، في حين أن الفلسطيني الذي وُلد ونشأ في فلسطين ويريد العودة إلى وطنه، لا يتمتّع بهذا الحق وتحرّم عليه العودة.
ويُعدّ قانون الجنسية قانوناً مكمّلاً لقانون العودة، وتمّت الموافقة عليه هو الآخر عام 1952م، وينصّ على أن كل يهودي عائد إلى “إسرائيل” يصبح حكماً مواطناً إسرائيلياً، وقد أسقط هذا القانون الجنسية عن الشخص الذي لم يعد من سكان “إسرائيل” قبل نفاذ هذا القانون، وعن الشخص الذي كان مواطناً فلسطينياً من قبل.
وهكذا فإن كلمة عنصرية مصطلح يشير إلى نسق من القوانين والممارسات مبنيّ على التمييز ويعمّقه، ويمنح أفراد مجموعة بشرية بعينها عدداً من المزايا ينكرونها على الآخرين، بسبب خاصية مقصورة على هؤلاء ولا يملكها الآخرون، وفي “إسرائيل”، فإن هذه الخاصية هي “اليهودية”.
وانطلاقاً من هذا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم /3379/ الذي يقضي بأن الصهيونية حركة عنصرية، وهو القرار الذي أُلغي عام 1991م، مع تغيّر موازين القوى في العالم، ومازالت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية تبذل جهوداً من أجل مناهضة العنصرية، وقد بدت هذه الجهود من خلال ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق اليونسكو، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف الأربع، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري، ولجنة القضاء على التمييز العنصري، ولكن على الرغم من كل الجهود المبذولة، لاتزال “إسرائيل” مدعومة من أمريكا، تمارس أبشع الجرائم ضدّ الفلسطينيين.
لقد خلّد اليوم العالمي لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري الذين سقطوا في مدينة “شاربفيل” برصاص شرطة النظام العنصري البائد في جنوبي أفريقيا، في حين تتجاهل الأمم المتحدة إحياء ذكرى مئات، بل آلاف الشهداء من الفلسطينيين والعرب الذين سقطوا نتيجة المجازر الصهيونية والممارسات العنصرية.
وكانت سورية أكّدت على فكرة قرن الصهيونية بالعنصرية، وممارسات “إسرائيل” العنصرية ضدّ الشعب العربي في فلسطين وفي سائر الأراضي العربية المحتلّة، وأن مسألة العنصرية في “إسرائيل” لم تكن قط مسألة نيّات فحسب، وإنما كانت، منذ البداية، حتى الآن ممارسات تنظمها قوانين وتشريعات عنصرية، ما يقدّم أرضية صالحة لإعادة إحياء القرار الأممي الذي يؤكّد أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الخاصّة بتعريف العنصرية.