دراساتصحيفة البعث

“عارُ” تيريزا ماي الأخير

 

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “ذي آتلانتيك” 24/5/2019

أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي يوم الجمعة استقالتها من “المنصب الذي تشرفت بشغله”. يؤكد هذا الإعلان الذي طال انتظاره أن ماي ستتنحى عن زعامة حزب المحافظين في 7 حزيران، وأنها اعترفت بفشلها في إخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي.

يمثل إعلان ماي من نواح كثيرة نهاية رسمية لرئيس وزراء ضعيفة للغاية ولكن متوازنة بشكل مدهش. وإن دلت السنوات الثلاث المضطربة من الجمود البرلماني والاقتتال الداخلي والانقسام على أي شيء فإنما تدل على أن زعامة ماي انتهت منذ وقت طويل.

لكنها لم تبدأ رئاسة الوزراء بهذه الطريقة، فعندما خلفت ماي ديفيد كاميرون كرئيس للوزراء في تموز عام 2016 ورثت عنه أغلبية برلمانية وتقدماً بعشرين نقطة في استطلاعات الرأي حول حزب العمال المعارض، وكانت تُلقب بـ “السيدة الحديدية الجديدة”، في إشارة إيجابية إلى رئيسة الوزراء الأخرى الوحيدة في البلاد، مارغريت تاتشر، لكنها ورثت عنه أيضاً تحدياً سياسياً ذا أبعاد تاريخية، ألا وهو أن تنفذ نتيجة الاستفتاء التي لم تؤيدها وتُخرِج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومهما كانت قوتها في بداية عملها كرئيس للوزراء، فقد فقدتها بسرعة، أولاً اتخذت ماي القرار المترتب على الاستفتاء في 29 آذار عام 2017 والذي يستوجب تطبيق المادة 50 التي تحدد إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي المقرونة بمدة محدودة، ما بدء العد التنازلي لخروج البلاد على مدى عامين. وبعد أقل من شهر، وفي سوء تقدير عميق، أعلنت ماي عن انتخابات عامة مبكرة في محاولة لزيادة الأغلبية البرلمانية التي ستخسرها في نهاية المطاف. وبحلول الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي رسمياً في بروكسل في تموز، كانت ماي تفتقر إلى الأغلبية الحاكمة، والأهم من ذلك أنها لم تكن تمتلك خطة، وبدأ الوقت ينفد بالفعل.

كانت الدعوة المشؤومة لإجراء انتخابات مبكرة بداية النهاية لماي. ولكنها استمرت مع ذلك بالسعي أولاً للتوصل إلى اتفاق تفاوضي على شروط انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومرة أخرى عبر محاولة حشد الدعم البرلماني الكافي وراءه. إذا كانت هناك أسئلة حول ما إذا كان الاتفاق يحظى بأي دعم بين أعضاء حزبها، فسرعان ما انقشعت، إذ لم يلق الدعم.

طوال كل تلك المدة، كان هناك العديد من بدايات النهاية لعصر ماي، لكنها كانت زائفة. لكن في النهاية، لم تكن استقالة 36 وزيراً ولا الاقتتال الداخلي بين حزب المحافظين ولا التحديات العديدة أمام زعامتها هي التي حددت نهاية رئيس الوزراء البريطانية، بل كانت صفقة البريكسيت التي فشلت ثلاث مرات ومحاولتها هذا الأسبوع لإعادة المسألة للتصويت الرابع والأخير في البرلمان.

ومن المفارقة أن صفقة ماي غير الشعبية مع الاتحاد الأوروبي هي التي مكنتها من البقاء طويلاً، وعندما قدمت رئيس الوزراء تأكيدات لزملائها في حزب المحافظين في كانون الأول بأنها لن تقود الحزب في الانتخابات العامة القادمة، فعلت ذلك في محاولة مزدوجة لتجنب تصويت بحجب الثقة عن زعامتها وإنقاذ اتفاقها التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي الذي يحدد شروط انسحاب بريطانيا من هذه الكتلة. وبعد مرور ثلاثة أشهر، أوضحت ذلك الهدف بشكل أكبر من خلال تعهدها بالتنحي بمجرد إقرار أعضاء البرلمان لصفقتها، وعندما قدمت للمشرعين “فرصة أخيرة” لتنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر دعم اتفاق “تسوية” جديد، كان واضحاً غياب الأمل لديها في تمرير صفقتها في البرلمان، ولا أمل لها في البقاء. والسباق من أجل خلافة ماي بدأ بالفعل، وسيواجه من يحل محلها بلا شك نفس الجمود البرلماني والانقسام اللذين واجهتهما، ومن المرجح أن يواجه نفس التحدي المتمثل في الإيفاء بوعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.