ثقافةصحيفة البعث

نقد درامي بالبابا غنوج

 

واحدة من المظاهر التي صارت تترافق والموسم الدرامي المحلي والعربي في كل عام، هي البرامج التي تقتات على الهفوات والأخطاء الفنية التي تحدث في مختلف الأعمال الدرامية، والتي تقع فيها كُبريات شركات الإنتاج الدرامي في العالم، برامج يحكي القائمون عليها أن هدفها هو تقديم النقد (الاحترافي) لهذا المسلسل أو ذاك، هذا على ذمتهم، ولكي لا نعمم، هناك ما يُقدم من أراء تستحق المتابعة، وأصحابها هم قلة جدا للأسف لأسباب عديدة منها غياب الرعاية والدعم. ومنها أي تلك البرامج لا يقدم إلا الهباء الممزوج بالتحريض المبطن بالشيطنة.
القصة أن تلك البرامج تحتاج إلى نسبة مشاهدات مرتفعة حتى تحقق دخلا ماليا لقناة اليوتيوب التي تبثها، لذا فعلى مقدمها أن يكون مهرجاً بكل معنى الكلمة، وبعضها تقدمها صبايا حِسان الوجوه، مائعات الأجسام، شُغلهن الغنج والدلال على المشاهد، فهذا مفتاح نجاح عملهن، خصوصا وأن المشاهدين المتابعين في الربع الخالي لتلك البرامج، يفضلون هذا النوع من المُقدمات عموما لقدرتهن الخارقة على تقديم معلومة (مفيدة وممتعة)، التسيس عنوانها العريض!
بدأت تلك البرامج عموما بالظهور على قنوات شخصية لبعض الأشخاص الذين لديهم أقنيتهم الخاصة على موقع اليوتيوب، وحدث أنها حققت نسب مشاهدة جيدة باعتبارها تستخدم النكتة السمجة بإيحاءاتها المبتذلة، التي يعتمد مقدمها على (هضامته) في تقديمها، متوهما أنه قبض بالجرم النقدي المشهود على ما لا أهمية له أساسا، ولا يوجد قاعدة نقدية واحدة يستطيع مقدم البرنامج ومعدوه الاتكاء عليها في تقديم تلك النكتة، وهذا التقديم يترافق عادة وحركات خرقاء يصطنعها مقدم البرنامج، ليدخل التهريج في أدنى درجاته على الخط، وذلك للتشويش على الجمهور، فما يقوله لا يُعتبر نقدا كما أسلفنا حسب أي مدرسة نقدية، هذا عدا عن “القطع واللحش” الذي يجيء حاله كحال “لا تقربوا الصلاة”، فالعمل على اقتطاع تلك الجملة وغيرها من سياق هذا العمل أو غيره، ثم تقديمها للجمهور على أنها خطأ (قاتل) لا يُغتفر، بالإضافة إلى فبركة العديد من المقاطع التي يتم تركيب صوت آخر عليها، لتصبح دليلا أيضا على تسيس تلك البرامج حتى العظم.
إلا أن الحكاية ليست هنا، هذه البرامج التي كما قلنا بدأت على القنوات الشخصية للعديد من الأشخاص من أصحاب الدم (الخفيف) جدا، يتم شراؤها من العديد من المحطات ذات التوجه السياسي المعروف بعدائه للبلد، خصوصا بالنسبة لتناولهم أعمالا درامية محلية، تهمتها أنها سوريّة أولا، وتنتمي لهويتها السورية بمختلف ألوانها، قبل أن تكون حمالة رسائل موجهة، وهي كما لاحظنا في هذا الموسم وفي مواسم سابقة، جاءت جريئة جدا في طرحها للعديد من المثالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا أن معدي برامج الغفلة تلك، لا يرون جرعة الانتقادات العالية التي حملتها العديد من المسلسلات المحلية، وتذهب عوض هذا نحو إضحاك الناس على طرف لاقط الصوت يظهر في الكادر للحظات أثناء العمل على تجهيزه قبل التصوير، أو على ما يشابهها، أما أن تقول رأيا نقديا يُعتد به، سواء في الشكل أو المضمون، فهذا ابعد ما يكون عنها، فالغاية هنا ليست الارتقاء بالدراما من خلال تقديم نقد جاد، سلبيا كان أم إيجابيا، بل نسف العمل إن أمكن، لتقديم شكل أو نوع جديد من بروباغندا، تضرب أي شيء ذي قيمة يُصنع في البلاد حتى وهي في حالة الحرب الطويلة، تلك التي لا تزال تخوضها، ضد الصف نفسه الذي يمول عموم تلك البرامج.
بالتأكيد يوجد بعض البرامج المهتمة بالحديث بجدية واتزان نقدي عن الأخطاء التي تقع في الأعمال الدرامية، لكنها للأسف قليلة جدا، عدا عن كون محطة من محطاتنا المحلية، لم تتبن واحدا من تلك البرامج، الجدية طبعا لا الهزلية بمآربها الأخرى، ليصبح مُتابعا بشكل أكبر على الشاشة والشابكة، كما تفعل محطات التزوير تلك الموجودة إما في الخليج أو في بريطانية أو تركيا وغيرها، ومن يشاهد بعض هذه القنوات لن يخرج إلا بانطباع واحد فقط عنها عموما: “السم ينقط منها” كما يقال، وهذا أمر مفهوم، الجماعة يقبضون بالدولار، وكلما أتقنوا دور “الأراكوز” زاد عدد الورقات الخضراء في حساباتهم البنكية، ومعظم تلك المحطات، التي تحتضن هذه البرامج وترعاها ماديا، تدعي أنها سوريّة، خصوصا وأن كوادرها الفنية هي كذلك بالاسم! أما موضوع الإدارة والتخطيط البرامجي، فهو لأشخاص جاؤوا خصيصا لذلك من وراء البحار، في صدرها يستعر العداء للبلاد، وهو ما يتحكم بفهم هؤلاء لما يريدون تقديمه من سموم ولكن بلسان سوري مختلف اللهجات، بحيث يبدو الأمر وكأن كل واحد من أولئك المهرجين والمهرجات، يمثل محافظة سورية، وهي أو هو، لا يمون أن يُمثل نفسه أولا، وعلى هذا المنوال تجيء تلك البرامج العجيبة الغريبة، لتكون في الصف نفسه الذي يقف فيه كل من البغدادي والجولاني والحيزاباني وغيرهم ممن مشى وهرول وانبطح على نفس الطريق ولكن يشكل “كول”.
هذه البرامج تقتات على المتابعات الكثيرة للذين لا وقت لديهم إلا للبحث عما يضحكهم خصوصا في شهر الصيام، لتزجية الوقت ريثما يرتفع آذان المغرب ويصبح الطعام متاحا.
هؤلاء من تخاطب وعيهم المتدني تلك البرامج، وهؤلاء–وهم شريحة كبيرة عدديا بالمناسبة-من تقوم عليهم أساسا، وإلا لرميت تلك البرامج في القمامة، فإن هي لم تخدم الخط السياسي الذي تم صنعها لخدمته، ولم تجلب أرباحا مادية، فلماذا وجودها أساسا بالنسبة لمموليها؟
المحزن هو هؤلاء الشباب السوريين، الذين لا حدود لما يمكن أن يقدموه من تنازلات على المستوى الوطني والشخصي، بعد أن كبرت “الخسة” في رؤوسهم، وصدقوا فعلا أنهم نقادا وإعلاميين!
تمّام علي بركات