اقتصادزواياصحيفة البعث

الصفعة التي لا نتعلم منها!

 

ليس غريباً أو جديداً؛ أن تتكرَّر ظاهرة وقوع المشكلة كحريق محاصيل وانتشار أمراض.. إلخ، وأن يهرع المسؤولون إلى تبرير ما حدث، حيث أصبح من العرف الحكومي السوري اتخاذ قرارات بعد فوات الأوان؛ وليس اتباع سياسة “الوقاية خير من قنطار علاج”.
واقع مؤسف يعكس أن آلية القرار ، تقوم على “التصويب والإطلاق على الهدف في الظلمة”… دون إعارة أهمية إن أصاب أو لا..!
هكذا وصفَّ وزير سابق وخبير زراعي عالمي، حال تعاطي أجهزتنا التنفيذية، مع الأحداث المأساوية التي يتكرر حدوثها لمحاصيلنا الزراعية والحراجية، لتتكرر بالمقابل التبريرات والتفسيرات الممجوجة والرمي بالاتهامات والملامة نفسها، دون أي محاولات جادة لإيجاد علاج استباقي أو استعدادات تحوّط، ودون أي تحمل للمسؤولية لمن يفترض بهم تحملها، عسى ولعلها على الأقل تخفف من آثار الحوادث…!
حين تتحدث شخصية علمية وعملية وإدارية، بهذا الشكل من النقد الصريح، فلا يمكننا التغافل عما تقوله، حيث الخبرة الطويلة والتجارب العميقة، تكشف ما لا يزال قائماً من آليات تعاطي عفا عليها الزمن، لم تشهد أي تغيير أو تطوير؛ ما يعني أن أجهزتنا التنفيذية لم تستطع الاستفادة من التجارب السابقة، لتطوير أدواتها في مواجهة المتوقع والمحتمل من كوارث كل موسم..!؟
تفسيرات وتأويلات رسمية -نربأ بأنفسنا عن ذكرها- لحرائق محاصيل القمح والشعير كما في غيرها من محاصيل، نشاطر “أهل مكة” أنها فعلاً مخجلة ومؤسفة وبعيدة عن أدنى وأبسط أسس إدارة الزراعة البعلية..!
الأنكى أن أصحاب تلك التفسيرات والتأويلات، لم يخطر ببالهم أن الأسباب والمشكلة الحقيقية والرئيسية لما حدث ويحدث، تكمن عدة نقاط، أولها: المشكلة المستدامة في آلية التفكير والذهنية في إدارة الأزمات والمخاطر الزراعية وغيرها، والتي يغلب عليها الفردية والشخصية وغياب الموضوعية والمصلحة الوطنية، حيث بقيت إدارة القطاع الزراعي بنفس الذهنية (ذهنية ساكنة)، وبنفس الكوادر لعشرات السنين، وخاصة المديرين (الخبرة المكررة)؛ فكيف نتوقع منهم نتائج مبهرة وإيجابية..!؟ يسأل العارفون بخفايا كيفية الإدارة واتخاذ القرارات..!
أما ثاني النقاط فتتمثل بغياب الفكر المؤسساتي في العمل في القطاع الزراعي؛ بينما تشير ثالثها إلى غياب المتابعة والتقييم المستمر لحالات المحاصيل، وإعطاء الإرشادات اللازمة في الوقت والمكان المناسبين، لتكتمل حلقة التغيب برابعها، وهي غياب التنسيق الكلي والمراقبة والتقييم لوضع المحاصيل قبل وقوع الحرائق والكوارث…
ليس هذا فحسب، بل إن خامس النقاط تتهم صراحة الجهات الحكومية باللجوء للشكل الترقيعي وإعطاء المسكنات وتزييف الحقائق (الأمثلة كثيرة)، وعدم حساب واحتساب النتائج جيداً، إذ إن حرائق المحاصيل تعني غياب استراتيجية زراعية متكاملة، ناهيكم عن موضوع الفساد وهذا في حد ذاته قضية كبرى، لم يتم حتى تحديد آثارها فيما يحدث..!
من المعروف والمؤكد عند خبراء الإدارة الزراعية، أن الزراعات البعلية تخضع لما يعرف بالمخاطرة وعدم التأكدية (عوامل خارجة عن إرادة المزارع)، لذلك تقتضي إدارتها ما يسمى “تحت ظروف المخاطرة”… ما سبق يحمِّل الجهات صاحبة العلاقة مسؤولية كاملة عن غياب الخطط المستعملة؛ وآليات التنسيق بين الجهات الحكومية؛ لحماية المحاصيل تحت الظروف الشاذة أو النادرة أو الطوارئ، وهذا يتطلب وضع استراتيجات لتقليل هذه الأخطار..
والسؤال: أين هذه الاستراتيجيات، وأين دور الإرشاد الزراعي والوحدات الإرشادية المتخمة بالبطالة المقنعة..؟!
خلاصة القول: تعتبر حرائق المحاصيل الزراعية لموسم 2019 أكبر صفعة للأجهزة التنفيذية، الأمر الذي يؤكد غياب التخطيط الشامل والقطاعي والمناطقي لإدارة الزراعة البعلية وحتى المروية…! نحن نخطط لمواجهة موضوع مستقبلي استراتيجي وطني لتحقيق أهداف مستقبلية وحسب الإمكانيات المتاحة، والتخطيط يكون مرغوباً لتحقيق آثار إيجابية عندما يكون هناك: الحاجة للتنبؤ، وهدف يراد تحقيقه (الأمن الغذائي)، وزيادة الحاجة للتنسيق، وتحقيق قيمة مضافة.
لكن الذي حصل.. خسارة إنتاج آلاف الدونمات من المحاصيل الزراعية، وخسارة القيمة المضافة، والأثر المتوقع على الأمن الغذائي السوري اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً..!
ويبقى السؤال الأهم من سيعوض للفلاحين الذين حرقت محاصيلهم…؟! في ظل عباءة قانون يعد ما حصل هو بفعل فاعل، ولذلك لا يوجد أي تعويض..! لكن ماذا عن الفاعل الذي لم يفعل شيئاً، يستبق تكرر وقوع ذات الحوادث قبل وقوعها..؟!
صدق من قال: “الصفعة التي لا نتعلم منها نستحقها مجدداً”، فكم من الصفعات نحتاج لنتعلم..؟!
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com