ثقافةصحيفة البعث

الفن والعمارة وتأثير البيئة في بلاد الرافدين

منذ كان الإنسان على وجه البسيطة تحركت في نفسه نوازع نحو التماس البقاء والخلود، جاشت فيها تجليات الجمال فراح ينظر في ما وهبته الطبيعة من مفردات أعمل فيها فطرته المجبولة بعشق الحسن وعقله الناقد في الحرص على البقاء، كما سعى في تطويع موجودات الطبيعة وتفاعل معها وسخرها وهيأت له بناء لغة ترضي طموحه فكان البناء المعماري والفني بتشكيلاته الثرة والغزيرة.

الطين من المواد الطبيعية الأولى في الحضارة الرافدية التي سكب الإنسان الرافدي نصوصه فوق ألواح دونت حياة الرافديين بكل تفاصيلها سردا متلاحقا لحوادث التاريخ ورسما معاشا في  حضارة تركت أثرها العميق على الحضارة العالمية، فقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب للباحث الدكتور جهاد كامل صالح تعزيزا للمكتبة الوطنية والعربية يخص العمارة والفنون الحضارية التاريخية وقد جاء الكتاب الذي تجاوزت صفحاته الـ 500ـ صفحة  مقسمة إلى عدد من الأبحاث تدور حول الحضارة المعمارية الرافدية وأثر البيئة الطبيعية والثقافية الروحية في صياغة بنائها المعماري، فقد بنى المؤلف جهده على معلومات تاريخية ألم بها الكاتب تتعلق بحضارة بلاد الرافدين الثقافية والتاريخية والدينية والفنية فجمل البحث الأول لعناصر البيئة الطبيعية وتأثيرها في الفن والعمارة فدرس الطين والحجر والأشجار والحيوانات والمعادن والمناخ والنجوم وتداخلها مع العمارة والفن والعيش، كما جاء في البحث الثاني مركزا على عناصر الطبيعة الثقافية وانعكاسها على الأعمال الفنية والمعمارية ودرس مادة الطين ودورها في الاكساء وتشييد الأكواخ والأسوار وتقنيات صناعة اللبن المشوي والقباب والأقواس وإشادة الأبنية ذات الأنشطة والأغراض المختلفة المعابد والأسوار والقصور والبوابات كما درس مهنة النحت والفن التجريدي المرمز والفن النباتي واستعمال الشبكة الهندسية الرافدية، وفي بحث آخر درس المحيط المكاني  والعناصر الحامية “المادية والحسية” وتأثيرها في فن العمارة وعرض فن الأبراج والأسوار وبوابة عشتار والعناصر الرمزية الحامية والمزينة له، مهتما بالعامل الجمالي برموزه ودوره المساعد في البناء الفني وتأثيره الحضاري في عالم الجمال التعبدي “الحامي للروح” كما تناول أمورا تتعلق بالتصميم المعماري، وفي البحث الخامس تناول أثر المواد الطبيعية وموضوعات البيئة الثقافية في تشكل المهن الفنية الرافدية مثل صناعة الفخار والخزف والأختام الأسطوانية والتماثيل والمسلات والحلي والآلات الموسيقية والرسم التزييني الجداري. وختم المؤلف دراسته بتقديم وجهة نظر حول أهمية الطين في بناء مساكن تحاكي متطلبات الشباب العربي ووجهة نظر أخرى حول استخدام الطين في بناء القباب وجدواها الاقتصادية.

يعتبر الكتاب لبنة إضافية في البناء المعرفي والأكاديمي المتخصص في الدراسات المعمارية والفنية يجد فيها الدارسون والمختصون مادة غنية وموثقة كما تساهم في سد النقص الحاد في هذا النوع من الدراسات التي يؤمل من المشتغلين الطليعيين في هذا الميدان من البحث إنشاء نوع من الدراسات النقدية المعمارية والتي تساهم في رسم معالم مدنية مستقبلية لحواضر ذات هوية عريقة ولا تفتقد للمعاصرة والمواكبة. المؤلف جهاد كامل صالح تولد جبلة 1948وخريج كلية الهندسة المعمارية جامعة ليون وحاصل على الدكتوراه من فرنسا صدرت له أبحاث في فن العمارة والحضارة ، عضو اتحاد الكتاب العرب واتحاد الفنانين التشكيليين وعضو مؤسس في جمعية النقاد والباحثين التشكيليين في سورية.

الكتاب من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2017 .

أكسم طلاعِ