ثقافةصحيفة البعث

“طعام.. صلاة.. حب”.. رحلة امرأة تبحث عن السلام

 

تتملكك الأسئلة الكثيرة في مرحلة عمرية معينة، تحتاج إلى إجابات كثيرة، وربما وفي الكثير من الأحيان تأتيك اللمسة السحرية من خلال رواية بسيطة غير معقدة بألفاظها وتراكيبها، إذا ما اتفقنا على أن الرواية هي فن التفاصيل الصغيرة فهذه الرواية كتبت بأسلوب لذيذ وشيق جداً، رواية “طعام، صلاة، حب” ليست جديدة إنما أبصرت النور عام 2008، ما يميز الأمريكية “اليزبيث جيلبرت” أنها امرأة عرفت كيف تكتب بفن، وكيف تقبض على القارئ بشكل ساحر، والسبب بكل اختصار أنها كتبت دون تكلف ودون ادعاء، كتبت بصدق وبساطة فلم تراوغ ولم تدخل في البكائيات.

“طعام،صلاة،حب” أقرب للسيرة الذاتية فهي عبارة عن مذكرات الكاتبة، عن صراعاتها النفسية والحياتية ومغامراتها حول العالم للبحث عن السكينة، هذه المذكرات تحمل قدراً كبيراً من الجاذبية نظراً لصدقها وتلقائيتها الشديدة، ممتعة ومملة في نفس الوقت، فهي ممتعة لو قسمتها لأجزاء ثم قرأت تلك الأجزاء تباعاً على مدار الأيام، ومملة لو قرأتها كاملة في مرة واحدة.

وكما العديد من الروايات تحولت هذه الرواية إلى فيلم، ولكنه لم ينجح في إيصال الكثير من المشاعر والأحداث، ففي الرواية يستطيع القارئ أن يتذوق تفاصيل الأشكال والمشاعر والرائحة وحتى الطعم من خلال القراءة أكثر من المشاهدة.  في مقدمة الكتاب تقول الكاتبة أن الرقم 108 هو رقم السعد عند الفلاسفة الشرقيين، وبما أن الرواية تتحدث عن إيجاد التوازن قررت الكاتبة تقسيم الكتاب إلى 108 حكايات، عبر ثلاثة أقسام عن إيطاليا والهند وإندونسيا، وهي البلدان الثلاثة التي زارتها في رحلة البحث عن ذاتها.

تتحدث “ليز” عن زواجها السابق وفشل التجربة والعوامل التي أدت لذلك، يتخلل هذا الجزء وصفها لحالة الاكتئاب التي تعتريها والتقلبات النفسية التي تتعرض لها، ثم قرارها للسفر إلى ايطاليا تحقيقاً لرغبة دفينة داخلها لتعلم اللغة الإيطالية .

تتعمق بالحديث عن تعلقها بالطعام الإيطالي لتجد نفسك متشوقاً لتذوقه، تشعر وكأنك ترى المعالم الجميلة في إيطاليا وتعيش تلك الرحلة بكافة تفاصيلها من خلال وصفها المسهب الغني لكل شيء هناك، فيغدو الطعام والتنزه في هذه الرحلة بمثابة وسيلة للانغماس باللذات وذلك في محاولة للوصول السلام الداخلي.

الهند أو تهاني بلقائك ٣٦ حكاية عن السعي إلى التأمل بالوصول إلى المعتزل الخاص بالتأمل وممارسة اليوغا تبدأ الرحلة في الهند، تصف حياة قاطني المعتزل متطرقة لبعض مفاهيم اليوغا التي تمارس هناك، ومدى تجليهم وانغماسهم في حالة السلام الداخلي التي يعيشونها هناك، حيث لكل شخص مهمته التي يقوم بها مكملاً مهام البقية .

من خلال التجارب التي تعيشها هناك مع مجموعة من الناس المحيطين بها، وبعد صراعات مستمرة وحوار داخلي مستعر بين عقلها المليء بالأفكار الحزينة الباعثة على التشبث بالماضي وبين صوت في داخلها يرفض كل تلك الأفكار محاولاً إعادتها لطريقها الذي تسعى من خلاله الوصول إلى مبتغاها، ينبعث صوت داخلي يهزها ويفجر النور من داخلها، فتتمكن أخيراً من الوصول إلى حالة التأمل، فتهدأ نفسها وتقضي بقية الفترة في حالة من السكينة وتتعمق في ذاتها أكثر إلى أن تنهي رحلة الهند بحالة من السكون الداخلي.

اندونيسيا ..٣٦ حكاية عن السعي إلى التوازن إذ يبدأ الفصل بوصف لمدينة بالي التي من المفترض أن تقضي فيها “ليز” عدة أشهر الوضع هنا مختلف تماماً، فلا مزيد من حالات السعي الميؤوس وراء السكينة الداخلية. تلتقي “كيتوت” العراف العجوز الذي أتت لمقابلته وتعلم التأمل الباليني، تحدثنا من خلالها عن تلك المدينة وتتعمق في وصف تلك الثقافة .

في اندونيسيا تعيش حياتها ملتزمة بالتأمل والدعاء والصلاة، وبعد الوقت الكافي في مسامحة الماضي واستعادة التوازن تسترد حياتها بمعرفة الشريك المناسب فتكون هذه النهاية السعيدة التي تنهي معاناة “ليز” وتعيدها إلى الحياة التي كانت تبحث عنها.

“طعام، صلاة، حب” رحلة الغياب عن الحياة والعودة إليها مرة أخرى، لم تكن فقط مجرد رواية امرأة كانت تعيسة وتبدلت حياتها بل هي حديث داخلي يمر بأي أنثى أخرى على اختلاف أسبابه، هو بحث من النوع الذي نحتاج فيه للحفر عميقاً حيث الكنوز الغالية النفيسة.

عُلا أحمد