تحقيقاتصحيفة البعث

عدد أيام عمل أقل = توفير مليارات أكثر العطل الارتفاقية.. استراتيجية للتوفير وضبط النفقات والهدر أم هروب من الواقع؟!

العطل الرسمية، والاحتفال بمناسبات، سواء كانت دينية أو وطنية، حق طبيعي تضمنه قوانين العمل في كل دول العالم مع اختلاف إجمالي عددها  بين دولة وأخرى، لكن ما يجري في بلدنا هو كثرة العطل، وتعطيل المعطل، وإشاعة ثقافة الكسل بدلاً من النشاط وزيادة الإنتاج، لدرجة أصبح الأمر يحتاج لإعادة النظر بالعطل الرسمية نفسها، لأننا اليوم أحوج ما نكون إلى زيادة ساعات العمل لا إلى تقليصها، هذا من وجهة نظر البعض، أما البعض الآخر فيرى أنه في هذه المرحلة التي نمر بها نتيجة الحرب، وتوقف عجلة الإنتاج، تأتي العطل حلاً مؤقتاً لوقف الهدر، وتخفيف العبء والنفقات، كلها وجهات نظر مختلفة تبقي الإجابة مفتوحة على كل الاحتمالات فيها.

لا لمزيد من العطل الارتفاقية

الأستاذ الدكتور حيدر أحمد عباس، عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية،  تحدث من وجهة نظره كأكاديمي ومواطن، موضحاً أنه لا يكاد يبدأ الدوام حتى تفرمله العطل الرسمية، وعلاوة عليها تأتي العطل الارتفاقية التي تكاد أن تكون بعدد العطل الرسمية، فكلما صادف يوم عطلة أرفق معه اليوم اللاحق، إن كان الاثنين أرفق معه الأحد، وإن كان الأربعاء أرفق معه الخميس، وإذا صادفت العطلة الرسمية في يوم الجمعة أو السبت عوضت أيضاً، وبالنظر إلى أن أيام الدوام من خمسة إلى ستة أيام، فإن العطل أصبحت تشكّل ثلث السنة، مضيفاً: جيلنا على سبيل المثال عاصر تلك الفترة من الزمن التي كانت فيها أيام العطل الرسمية وأيام الجمعة كلها أيام عمل طوعي، صحيح اسمه عمل طوعي، ولكن كان بالطبع مأجوراً، أي ليس مجانياً، بل بمكافأة مجزية، وأجرة مضاعفة، والسؤال الذي ربما يفرض نفسه علينا هو كالتالي: هل كان هذا العمل الإضافي «يبهظ» موازنة الدولة أم يرفدها بالموارد؟ والجواب من وجهة نظري كأكاديمي: من المؤكد أنه كان يرفدها وإلا لما كان الإصرار عليه طوال عدة سنين، وكان أُلغي العمل به منذ أول شهر.

إضرار بمصالح المواطنين وإيقاف لعجلة الإنتاج!

هل فعلاً توفر الدولة من أيام العطل المتتالية مليارات الليرات؟ الخبير الاقتصادي عمار يوسف يؤكد أنه خلال الفترة الماضية تم دمج عدد من أيام العطل مع أيام العمل  الرسمي بشكل غير مسبوق، وتحولت أسابيع كاملة إلى عطل رسمية، وكان لابد من التوقف عند هذه الحالة  لما لها من سلبيات وإيجابيات، ومما لا شك فيه أن أيام العطل الطويلة تؤدي إلى توقف العمل، خاصة في القطاعات الإنتاجية، في وقت نحن أبعد ما نكون فيه عن مثل هذا التعطيل للإنتاج نتيجة ما تمر به سورية من حرب إرهابية، إضافة إلى أن مثل هذه العطل غير متوقعة، ما يسبب تعطيل الإجراءات الإدارية للمواطنين، وأبلغ مثال على ذلك ما تؤدي إليه من تعطيل في مجال القضاء تحديداً، وهذه إحدى نتائجها السلبية التي تلحق ضرراً واضح الأثر ومباشراً لمصالح المواطنين نتيجة تأجيل وإعطاء موعد بعيد للدعاوى، وإعادة التبليغ للخصوم  إلى موعد بعيد، مع ما تعتري هذه العملية من خطورة قد تؤدي إلى ضياع الحقوق، مضيفاً: عادة العطل الطويلة وغير المتوقعة تؤثر على التعامل الخارجي لدينا، فتتوقف حركة التبادل التجاري والصناعي الخارجي نتيجة عدم وجود الآلية الإدارية اللازمة للتعامل مع مثل هذه العطل، وفي النهاية لابد من التنويه إلى أن العطل الأخيرة التي مرت كانت طريقة استخدمتها الحكومة لامتصاص أزمة البنزين التي واجهتها سورية مؤخراً من خلال التقليل من استخدام الوقود عبر تقليل الحاجة إليه بهذه الطريقة، لكن هذا الأمر أضر بالاقتصاد السوري أبلغ الضرر، فأخّر الإنتاج، وأوقف معاملات المواطنين، وعطّل تقريباً السياحة الداخلية في القطر.

محمد بكري، مواطن من مدينة الرقة نزح وعائلته إلى العاصمة دمشق، يتحدث بكثير من العتب والغضب قائلاً: لا أحد يشعر بما يعانيه المواطن السوري، وتحديداً من اضطرته ظروف الحرب للنزوح، ألا يكفي ما عانيناه حتى تتعطل مصالحنا، لدي خمسة أولاد أكبرهم في الصف الثامن، نزحت إلى العاصمة مع عدد كبير من قريتنا، عانينا ومازلنا من الارتفاع الجنوني لإيجارات البيوت، ومؤخراً كان عليّ استكمال بعض الأوراق الرسمية التي لم أتمكن من إنهائها بسبب أيام العطل المتتالية، أنا مواطن بسيط نازح “عم اشهق ما عم الحق”، مضيفاً: هل من المعقول ألا يحسب أي حساب لمصالح المواطنين، خاصة النازحين منهم من محافظات أخرى؟!.

الأستاذ الدكتور حيدر يفنّد بكثير من الشفافية الضرر الحاصل نتيجة أيام العطل الطويلة قائلاً: إن ما سمي بالفريق الاقتصادي في فترة سابقة عطّل عمل كل مؤسسات الدولة الإنتاجية، وحوّلها إلى مؤسسات إدارية، وقام بتسليم جميع المؤسسات الإنتاجية إلى القطاع الخاص، أو أفلسها، لذلك تجد أن المؤسسات الخاصة لا تعطّل مع قرارات العطل الارتفاقية، لأنها تحقق أرباحاً وموارد، فإذا كان الهدف من هذه العطل تدليل المواطن وراحته، يمكن زيادة عدد الأيام التي يستحقها العامل كإجازة بلا راتب، أو براتب، وإعطاؤه مدة إضافية في الإجازات بالكمية نفسها التي أخذها سلفاً عبر قرارات العطل الارتفاقية، والغريب بالموضوع، يضيف الدكتور حيدر، بأنه إذا تأخر الموظف بضع دقائق عن عمله يحتسب يوم غياب، إذاً لابد من إعادة دراسة هذه المنهجية؟!.

 

إرباك في سير العملية التعليمية!

من المؤكد أن الطلاب في أي مكان في العالم يحبون أيام العطل الطويلة، لكن توقف العملية التعليمية لأيام متواصلة تصل إلى أسبوع كامل أكثر من مرة خلال السنة الدراسية يؤثر على مستوى تحصيل الطلاب، ويشكّل عائقاً أمام إحاطتهم بكامل المقرر الدراسي، سواء كانوا في مرحلة التحصيل الجامعي، أو ما قبل مرحلة التعليم  الجامعي، ونخص هنا بالذكر طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي.

رهام نصور، معلّمة تدرّس مادة الرياضيات لطلاب الشهادة الثانوية منذ عشر سنوات، تحدثت عن معاناة الطلاب والأساتذة لعدم قدرتهم على إنهاء المادة خلال العام الدراسي لأسباب عدة أهمها أيام العطل الطويلة، فالكثير من الطلاب لا يستطيعون أن يتحمّلوا نفقات الدروس الخصوصية، فيعتمدون اعتماداً كبيراً على أساتذتهم، مضيفة: المنهاج يحتاج إلى حصص إضافية خلال العام الدراسي لشرحه كاملاً، فما بالك وقد أصبحنا نتغيّب لأيام متتالية عن المدرسة، وبالتالي يحرم الطلاب من الحصص المقررة سلفاً في برنامجهم اليومي؟!.

أما الأستاذ الجامعي حليم أسمر، أستاذ في كلية التربية بجامعة حلب، فيقول: إن لهذه العطل الطويلة شقين: إيجابي وسلبي، فهي أحياناً تسبب إرباكاً، خصوصاً عندما تتزامن مع الفصل الدراسي الأول أو الثاني، ما يضطرنا كأساتذة أن نعوّض عن المحاضرات بأوقات أخرى، وغالباً المحاضرات التعويضية لا تكون كالمحاضرات التي تأتي في وقتها لعدم التزام جميع الطلاب بها لسبب أو لآخر، عموماً فترة الحرب التي نمر بها ومازلنا أسهمت كثيراً في مثل هذه العطل، وفي الحقيقة لا نستطيع أن نجيب عن هذه النقطة، هل هي توفير أو غيره، وبالتأكيد الكثير من الطلبة يفرحون للعطل إذا وضعنا أنفسنا مكانهم، أما من منظور العمل فيمكننا القول: إن العمل وأخلاقياته يتطلبان الالتزام بدقة المواعيد، وتوقيت المحاضرات، ما يعطي إيقاعاً مهماً لمعنى التعليم والتدريس لحضوري كطالب أو كأستاذ، وهذا ما يجب أن يتم التمييز فيه بين الأوقات الطبيعية التي يمر بها بلد من البلدان، وأوقات الكوارث والحروب، ما يجعلها مقبولة ومسوغة في أوقات الكوارث والحروب، والعكس صحيح.

 

ارتجالية

لا شك أن وجود أيام عطل متتالية بشكلها الظاهري يعتبر راحة للمواطن، لكن ما قد ينتج عنها من ضرر لمصالح الناس، وتوقف مفاصل عجلة الحياة الاقتصادية التي هي أساساً مصابة بنكسة كبيرة نتيجة الحرب الإرهابية، أمر لا يمكن تجاهله، العطل هي جزء مهم جداً وضروري في حياتنا، ولكن يجب ألا تتحول إلى عرف، خاصة العطل الموصولة التي تعتبر طويلة جداً، لذلك الأمر يحتاج إلى تحليل منهجي وعلمي للأسباب والنتائج والفائدة المرجوة من هكذا عطل، وألا تكون ارتجالية وليدة اللحظة.

لينا عدرة