رأيصحيفة البعث

كذبة القرن

 

 

لاشك أن إدارة ترامب ما كانت لتفكّر بتمرير صفقة القرن، والتمهيد لها باتخاذ قراريْ القدس والجولان، لولا اعتقادها أن الظروف باتت ملائمة، وأن القضية الفلسطينية قد تم استئصالها من العقول، ولم يبق سوى الإجهاز عليها في الواقع.
ومن الواضح أن المشروع الأمريكي الصهيوني قد زج بكل إمكانياته، ووظّف في سبيل ذلك الرجعية الخليجية أمثل توظيف، لتحقيق هدفين مترابطين عضوياً، أوّلهما ضرب الثوابت المتجذرة في الوعي العربي منذ احتلال فلسطين، وأهمها أن الصهيونية هي العدو الرئيس للأمة العربية، وأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، وثانيهما ضرب القوى المقاومة التي وضعت حداً للتفوق العسكري الصهيوني على الدول العربية، وألحقت بإسرائيل الهزائم الرادعة، وتم إنفاق مئات المليارات من الدولارات لغسل العقل العربي، وتغيير ثوابته السياسية، ولتمويل الحروب العسكرية والنفسية والإعلامية والثقافية على قوى المقاومة، وفي مقدّمتها سورية العمق الاستراتيجي لهذه المقاومة.
وتقضي الموضوعية الاعتراف بأن أمريكا نجحت جزئياً في تهميش الصراع العربي الصهيوني، والقضية الفلسطينية، من خلال اختلاق عدو جديد للعرب هو إيران، مستغلة  الخلافات بينها وبين بعض الدول الخليجية. وبالغت في تخويف الخليجيين من طهران، ودفعهم إلى الحضن الصهيوني من جهة، وابتزازهم مالياً وسياسياً إلى أقصى الحدود من جهة أخرى، وبذلك تحقق للكيان الصهيوني ما لم يكن يحلم به، حيث كسب صداقة الرجعية العربية، وشكّل معها حلفاً سياسياً لمواجهة إيران، وتحريض ترامب على غزوها عسكرياً.. فماذا كانت النتيجة؟.
الجواب جاء به يوم القدس العالمي، حيث تبيّن أن قلب الحقائق، وطمس الثوابت، وتزييف الوعي، أمور أخفقت في النهاية، ولم تعد تلقى أي صدى إلا لدى بعض النخب المأجورة، والأنظمة الوظيفية التي يرتبط استمرارها بمدى تفانيها في خدمة مصالح أمريكا وإسرائيل.
في يوم القدس قال الشعب العربي وقواه المقاومة الكلمة النهائية، وهي أن الكيان الصهيوني المحتل هو العدو، وأن مقاومته تعتمد على حاضنته العربية السورية، وقلعته الإقليمية الإيرانية، ولم يعد إخفاء الشمس بالغربال ممكنا، فالمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة يحتضر، وصفقة القرن ليست أكثر من جعجعة بلا طحين، والحرب على سورية قد فشلت فشلاً ذريعاً في إسقاط حاضنة العروبة والمقاومة، والعدوان العسكري على إيران هو من سابع المستحيلات، ولن يقدم عليه إلا المجانين، وإدارة ترامب مهمومة بمشكلاتها الداخلية وحروبها التجارية، و”إسرائيل” تعيش عصر الرعب من صواريخ المقاومة. أما السعودية التي خاب أملها في عدوان أمريكي على طهران، فهي في قمة الضعف والخوف، يقضّ مضاجعها كابوس اليمن، وتحاول البحث عن بعض الدعم الوهمي في القمم الفاشلة التي تثير بياناتها البائسة الضحك والرثاء…
يوم القدس هذا العام قال للعالم كله: إن فلسطين وحدها هي البوصلة، وإن تصفية قضيتها ليست صفقة القرن، بل كذبة القرن.
محمد كنايسي