ثقافةصحيفة البعث

الدراما السورية وبراعة توظيف المكان

يعتبر موقع التصوير من أهم العناصر التي تقوم عليها عملية الإنتاج الدرامي، التلفزيوني والسينمائي، في أي مكان، وقد كان لصناعة الدراما السورية الأسبقية، عربيا، في توظيف البيئة الحية، من شوارع وأحياء وطبيعة، كموقع لتصوير الأعمال المتنوعة، متأثرة بالرؤية السينمائية للعديد من المخرجين السوريين الذين شكلت تجاربهم نواة لصناعة فنية حققت نجاحا كبيرا، ساهم في كل ذلك ثراء البلاد العمراني التاريخي، والتنوع التضاريسي الذي ساعد المخرجين للخروج بمنتج فني يحاكي الواقع التاريخي والمعاصر، بعيدا عن نمطية الاستوديوهات المصطنعة، وكنا لمسنا الدور  الذي لعبته الحارات والبيوت الدمشقية القديمة في نجاح دراما البيئة الشامية في انطلاقتها الأولى وحضورها المثير للدهشة.

ولأن الدراما السورية ميزتها التجديد والابتكار ومواكبة الواقع، فإن حضورها في ظل الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد كان  خلَّاقا ولافتا، لاسيما وأنها لم تكتف بالتنظير من داخل الجدران، بل خرجت بالكاميرا إلى المناطق التي تعرضت للدمار لتجعل منها، عبر لقطات بانورامية حينا، وقريبة حينا آخر “لوكيشن” “location “واقعي وحي، فالصورة بالنسبة إلى الدراما السورية عموما هي اللغة الدرامية الأهم يأتي بعدها باقي العناصر من حوار وأداء، وهي ميزة أصبحت مدرسة سعت للاستفادة منها معظم الأعمال الدرامية العربية سواء تقليدا أو عبر الاستعانة بمخرجين سوريين.

وفي ظل الأزمة السورية شهدنا الكثير من الأعمال التي دخلت المناطق المدمرة لتنقل الواقع كما هو من دون رتوش أو خيال، لتربط تلك الأماكن بالإنسان بطريقة أو بأخرى

وفي هذا الموسم كان لمسلسل ” ترجمان الأشواق” للمخرج محمد عبد العزيز والكاتب بشار عباس، بصمة في هذا الشأن على الرغم من تركيزه على مدينة دمشق كعنصر أساسي في العمل باختياره لبيت قديم يطل على الشارع الواصل بين جسر فكتوريا وساحة يوسف العظمة ، ومنه ينطلق نجيب في رحلة البحث عن ابنته في المناطق المدمرة ودور الدكتور زهير “غسان مسعود”  في المصالحات.

ولا يتوقف مسلسل “مسافة أمان ” للمخرج الليث حجو والكاتبة إيمان سعيد، عند الآثار الاجتماعية للأزمة، بل يتعدى ذلك إلى نقل الآثار المكانية عبر لقطات جوية لمدينة دمشق والمناطق المدمرة تلخص الكثير من الكلام عن حميمية هذا المكان الذي مرت عليه أجيال متعاقبة تركت آثارها على كل ركن فيه.

في الأعوام الماضية دخلت كاميرا العديد من المخرجين إلى تلك المناطق ووظفتها لخدمة الفكرة المطروحة خير توظيف، وكان من أبرزها مسلسل “روزانا” للمخرج عارف الطويل والمؤلف جورج عربجي، والذي يحكي قصة عائلة خرجت من مدينة حلب بعد دخول المسلحين إليها، وعودتهم بعد تحريرها للعيش في منزلهم شبه المدمر في إشارة إلى ارتباط الإنسان الروحي بمكانه الذي نشأ فيه، وكذلك مسلسل “شوق” للمخرجة رشا شربتجي والكاتب حازم سليمان، ورحلة البحث عن الزوجة المخطوفة بين أنقاض الأحياء. ومسلسل “بانتظار الياسمين” للمخرج سمير حسين والسيناريست أسامة كوكش، وقصة الناس الذين دُمِّرت بيوتهم وافترشوا الحدائق.. هذا المسلسل الذي حوَّل حديقة عامة إلى موقع لتصوير ثلاثين حلقة. ومسلسل “عناية مشددة” للمخرج أحمد إبراهيم ، وتأليف الثنائي  يامن حجلي وعلي وجيه، وغيرها من أعمال عرفت كيف تواكب الوضع الراهن وتوظف المكان لخدمة النَّص دون مبالغة أو اجتهاد سينوغرافي.

آصف إبراهيم