اقتصادصحيفة البعث

المعونات النقدية والعينية والخيارات الأفضل لاستثمارها

 

لعقود مضت والمنظمات الدولية تقدم الكثير من العون الاقتصادي لكثير من الدول، عدا ما تقدمه بعض الدول من معونات لأصدقائها من الدول الأخرى، وغالباً ما يتكثف ذلك في فترة الأزمات والكوارث والحروب، وقد حظي بلدنا الحبيب، ببعض هذا العون، خلال هذه الحرب الظالمة التي يشنها علينا الخصوم الألداء منذ ثماني سنوات، وبعض هذا العون كان معرفياً من خلال تقديم العديد من الخبرات والدراسات المجانية، التي استفادت منها العديد من الجهات البحثية والفنية والإدارية، وبعضه الآخر كان مادياً من خلال تقديم العديد من المعونات المالية أو العينية، التي حصلت عليها عشرات الجهات الرسمية والمنظماتية والمجتمع الأهلي، وقد جرت العادة أن يترافق بعض هذا الدعم ببعض إملاءات الجهة الداعمة، إلا أنه يندر أن حصل ذلك في قطرنا، فسياستنا الوطنية الصامدة لم تنحرف يوماً عن مصداقية مسارها المعهود، بتأثير ضغوطات بعض الجهات المانحة لتلك المعونات، على غرار ما يجري في دول عديدة، ولسنوات خلت رفض قطرنا قبول إملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خاصة وأنه لمس التأثير السلبي الذي نجم عن هذه الإملاءات في عدة دول…
واقع حال يظهر أن كمية ونوعية المعونات ومكان وزمان منحها، وكيفية الاستفادة لها، هو على الأغلب من خيار الجهة المانحة، ومع ذلك يوجد بعض التفاوت الملحوظ بين نوعية وكمية المعونة، وبين نوعية وكمية الاستفادة منها، مكاناً وزماناً، أكان ذلك ناجماً عن الجهة المانحة للمعونة أم للجهة المستفيدة منها، ما يوجب التنسيق المسبق بين الجهتين، إذ من المتوجب أن يكون خيار الجهة المستفيدة هو الغالب، كونها الأدرى بواقعها وتحديداً فيما يخص مكان وزمان وتفصيلات صرف هذه المعونات، وبما يضمن تفضيل استثمارها في المجالات الإنتاجية الضرورية والمتوجبة منطقياً، بالتوازي مع الخيار الاستهلاكي الملح واقعياً، مع الحفاظ على حق الجهات المانحة، بالتأكد من كامل الحيثيات التي تعنيها.
على الأغلب يوجد بعض هذا التنسيق المقترح والمطلوب، ولكن واقع الحال يظهر أن بعض القائمين / من الطرفين، أي الجهات المانحة والجهات المستفيدة / على صرف تبرعات المبالغ المادية لصالح إنشاءات، أو هبات نقدية، أو توزيع التبرعات العينية، يرتكبون خطأ أو فساداً ملحوظاً، كأن تكون الإنشاءات التي تقام غير ذات ضرورة ملحة، أو أن تكون الكلفة الحقيقية لها أقل من المبالغ المصروفة عليها، أو أن تكون الهبات النقدية أو العينية للأقل احتياجاً، أو بلا سجلات دقيقة تظهرها، ما يؤكد وجوب الخيار التنسيقي الذي يحدد أفضل استفادة ممكنة من هذه المعونات.
مع التقدير العالي للجهات المانحة أكانت دولية أو منظماتية دولية، أو مؤسسات أو أفراداً محليين أو دوليين، ومن خلال مشاهداتي لبعض ما قدمته، أقول أليس من الأفضل أن تنشئ جهة متبرعة منظومة طاقة شمسية، لتخديم مؤسسة إنتاجية كبيرة أو تجمع سكني، بدلاً من تنشئتها لإنارة مسافة من طريق عام، وأليس من الأفضل إنشاء مبنى جديد بدلاً من صرف مبلغ كبير على ترميم بناء قائم لا يحتاج فعلياً للمبلغ الذي تم صرفه، وأليس من المتوجب أن تكون الجهة المانحة لمساعدات زراعية قد قدمت مساعداتها في التوقيت اللازم وبالنوعية الجيدة، بدلاً من تأخرها الملحوظ في ذلك والمترافق بضعف نوعية بعض المواد، ولم يقتصر ذلك على الموسم الشتوي بل انسحب أيضاص على الموسم الصيفي، وأليس من الأفضل أن يكون منح معونة السلل الغذائية والحاجات المنزلية المرافقة معها، قد اقتصر على مستحقيها ومحتاجيها فقط وبقيود حقيقية، بدلاً من منحها الذي تم بشكل شبه مفتوح، وبضوابط والتزامات أقل مما يجب؛ ما أتاح نزول كميات منها إلى السوق السوداء وبشكل شبه علني، ولسنوات متتالية.
وهنا أقترح التالي، حبذا أن تتخد السلطات الأعلى قراراً رسمياً بإحداث صندوق مالي ادخاري، له رقم حساب في أحد المصارف الرسمية، ضمن كل محافظة لاستقبال التبرعات النقدية الواردة من المنظمات الدولية والأصدقاء الأجانب، وصندوق ثانٍ برقم حساب ثانٍ للمتبرعيين المحليين، وتجميع هذه التبرعات، على أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل باستثمار القسم الأعظم من هذه المدخرات، لصالح إنشاء مشاريع إنتاجية، تشغل شريحة اجتماعية من الأكثر احتياجاًً، وتبقى لعقود بمثابة صدقة جارية، على أن يخصص ثلثا ربحها الصافي السنوي، لاحقاص لاستثمارات جديدة، وتقديم الثلث الباقي مواد عينية أو مبالغ نقدية للمحتاجين، وفق مواصفات وأولويات معتمدة، مع الحفاظ على حق المتبرع أو مجموعة متبرعين، بإشهار اسمهم على المشروع المقام من أموالهم، حال رغبوا ذلك، بغية تحفيز متبرعين آخرين على المزيد من ذلك، شريطة المزيد من الإنصاف الكمي والنوعي عند توزيع المعونات العينية القادمة لمحتاجيها ومستحقيها الفعليين، أياً كانت الجهة المانحة، وفي المكان والزمان المناسبين.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية