دراساتصحيفة البعث

أمريكا تهدد أوروبا بالانتقام

عناية ناصر
سربت صحف أمريكية محلية أن اثنين من مسؤولي إدارة ترامب قد بعثا برسالة إلى كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي “فريدريكا موغريني” للتعبير عن استياء أمريكا من السعي الأوروبي لتبسيط عمليات بيع الأسلحة الجديدة. وتصف الرسالة التي وقعها، إيلين لورد، كبير مسؤولي المشتريات في البنتاغون، وأندريا تومبسون، المسؤولة عن الحد من التسلح والأمن الدولي في وزارة الخارجية، أن التحركات الأوروبية هي “تحول جذري” في تكامل قطاع الدفاع الأوروبي مع الولايات المتحدة، وخرق لالتزامات الدول الأوروبية تجاه منظمة حلف الناتو. هذه ليست هي المرة الأولى التي يعبر فيها المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم بشأن التعاون العسكري الأوروبي خارج الناتو. لكن الآن ، يبدو أن التصعيد أكثر حدة ، وأنه يأتي مع تهديد بالانتقام.
في هذه القضية نقطتان رئيسيتان. ففي حزيران الماضي ، قررت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن مشاركة الدول الأخرى في المشاريع التي تتم في إطار التعاون الهيكلي الدائم في مجال الدفاع في الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون استثناءً وتتطلب موافقة جميع الدول الأوروبية المشاركة في هذا التعاون الهيكلي . كذلك ، لن يسمح الاتحاد الأوروبي بالمشاركة غير الأوروبية في المشروعات الممولة من صندوق الدفاع الأوروبي إلا في ظل ظروف معينة، مثل إعطاء أوروبا دوراً في تصدير أنظمة الأسلحة الجديدة. تريد الولايات المتحدة وفقاً لتقرير “شبيغل” المشاركة في هذه المشروعات، والحق في اتخاذ قرارات التصدير من جانب واحد ، وإلا!!.
منذ أن أعلن الاتحاد الأوروبي عن الاستقلال الاستراتيجي كهدف له في عام 2016 ، كان اتجاه سياسة الاتحاد واضحاً، والآن تُدرج المسألة العملية المتمثلة في تبسيط أنظمة الأسلحة الـ 172 التي تستخدمها الجيوش الأوروبية، مقارنة بـ 30 فقط المستخدمة في الولايات المتحدة ، على جدول الأعمال الأوروبي. يجب أن يجعل هذا النهج التنافس مع أمريكا أكثر حدة ، ويبدو أن نية الاتحاد الأوروبي هي استبعاد غير الأوروبيين قدر الإمكان، خاصةً، بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية ، إذ أصبح الاستقلال الذاتي الاستراتيجي أكثر إلحاحاً للقادة الأوروبيين.
ترامب غير راض بالفعل عن مستويات الإنفاق العسكري لأعضاء الناتو الأوروبيين. فالقلق بشأن وصول الشركات الأمريكية إلى السوق الأوروبية هو أحد الموضوعات ذات الأولوية لرئيس الولايات المتحدة. يجتمع الآن الأمران قبل المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي، إذا لم تنجح ، تهدد بإطلاق حرب تجارية مثل تلك التي يشنها ترامب على الصين.
لكن ليس من مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل إعاقة خطط التعاون العسكري للاتحاد الأوروبي أو محاولة التمسك بها. أوروبا ليست مستعدة للتخلي عن المظلة الأمنية الأمريكية، وقد يكون الاستقلال الاستراتيجي الكامل له ثمنه الباهظ. فحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقراً له يحتاج أعضاء الناتو الأوروبيين إلى إنفاق ما بين 288 مليار دولار و 357 مليار دولار لسد الفجوات في القدرات العسكرية التي ستنشأ عن فقدان الولايات المتحدة كشريك.
بالنسبة لترامب، قد تكون الموافقة على ميزانيات أعلى أكثر أهمية، نظراً لأجندته “أمريكا أولاً” ، وقد لا يكون معنياً في أية تحسينات في القدرات الأوروبية تنطوي على إيرادات أقل للصناعة العسكرية الأمريكية. بالإضافة إلى الزراعة، حيث تطالب الولايات المتحدة أيضاً بالمزيد من الوصول إلى السوق الأوروبية وتواجه بمقاومة شديدة، وفي ظل كون مسألة الدفاع مهيمنة على المفاوضين الأوروبيين، من المحتمل أن يكون من الأسهل بالنسبة لهم التسوية، بالنظر إلى أن الاستقلال الاستراتيجي الحقيقي والكامل لأوروبا يظل مثالياً وليس هدفاً واقعياً على المدى القريب.