دراساتصحيفة البعث

“مثلث الطغيان” الحقيقي

علاء العطار
تتسم السياسة الخارجية الأمريكية بالعبثية والرجعية، إذ أنها أقحمت نفسها في تدخلات عسكرية أكثر مما يمكنها حمله، ورغم ذلك اختار فريق ترامب مؤخراً خوض عراك جديد في أمريكا اللاتينية خوفاً من عودة “بعبع” الاشتراكية إلى الحياة، واتضح هذا الخوف في وصف جون بولتون لفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا بعبارة “مثلث الطغيان”، وهي عبارة مضحكة تذكّرنا بوصف جورج دبليو بوش للعراق وإيران وكوريا الديمقراطية بـ”محور الشر”، وتشكل أيضاً دليلاً على أن مسار السياسة الخارجية الأمريكية لم يتغيّر خلال العقدين الماضيين.
لكن حتى لو كان بولتون محقاً، أليس وصفه مبالغاً فيه؟ بالطبع، لأن هذه الدول الصغيرة لا تشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى، لذا من البيّن أن بولتون وظف هذه العبارة بهدف استحضار ما يكفي من الضغينة والخوف لتبرير رغبة فريق ترامب في تغيير الأنظمة الحاكمة في أمريكا اللاتينية.
أليس من الغريب أيضاً أن بولتون ومايك بومبيو هما اللذان يقودان عملية شيطنة الاشتراكيين ويضغطان في الوقت نفسه لشنّ حرب على إيران؟.
ما علينا إلا إمعان النظر في الشرق الأوسط لنرى “مثلث الطغيان” الحقيقي متمثلاً بأمريكا والسعودية و”إسرائيل”، فجميع هذه الأنظمة السياسية لا تمت للديمقراطية الحقيقية بصلة، بل إنها تعمل سوية لإثارة الفوضى في المنطقة وغيرها.

المملكة المفضلة لدى أمريكا
تعدّ العائلة المالكة السعودية من بين أسوأ الطغاة في العالم، وتدعمهم واشنطن طمعاً بالذهب الأسود، ويرجع الدعم الأمريكي لهؤلاء الطغاة إلى الحرب العالمية الثانية، عندما سلك فرانكلين روزفلت منعطفاً جديداً بعد مؤتمر يالطا ليقابل ابن سعود وأبرم صفقة ستحافظ على تدفق النفط إلى البلاد مقابل دعم وافٍ للمملكة وغضّ الطرف عن انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان، وسمحت هذه الصفقة غير الأخلاقية للعائلة المالكة استخدام ثرواتهم النفطية المتدفقة لبناء مدارس ومساجد دينية في جميع أنحاء العالم لنشر العقيدة الوهابية الإجرامية.
وامتدت عواقب هذه الصفقة لتمسّ كل جيران المملكة، كان منها دعم السعودية لتنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” في حرب سورية ضد الإرهاب، ولا زالت جرائمها في اليمن حاضرة في الأذهان، فكيف للإدارة الأمريكية أن تدّعي محاربة الإرهاب وشريكها السعودي يموله؟ وكيف لها أن تشتكي بمرارة من “استبداد وطغيان” الدول التي لا تستسيغها وتقف في وجهها وهي التي تقف إلى جانب أبغض نظام في العالم؟.
إن النفاق الأمريكي صاعق ومثير للغثيان، فشريكها السعودي لم يسمح للنساء بقيادة السيارات إلا مؤخراً وبعد ضغوط عديدة، ولا يزال يقطع رؤوسهن بتهمة “السحر والشعوذة”، كما أن الإعدام الجماعي يُعدّ عنصراً أساسياً من سياسة النظام الداخلية، فحدث مؤخراً أن أعدمت المملكة سبعة وثلاثين رجلاً في يوم واحد وورد أن أحدهم قد صلب، لم يكن أحد منهم إرهابياً بل صور النظام للناس أنهم كذلك بعد محاكمات زائفة اعتمدت على اعترافات انتُزعت منهم عبر التعذيب.
بالمحصلة، تواصل السعودية إطلاق العنان للإرهاب في الداخل والخارج بدعم قويّ من واشنطن وبأسلحة أمريكية متطورة.

“دولة” الفصل العنصري المفضلة لدى أمريكا
بالتأكيد تتصدّر “إسرائيل” قائمة الطغاة في العالم، وليس خافياً على أحد قمعها وانتهاكها لحقوق الإنسان خاصة ضد الفلسطينيين الذين تعتبرهم “عديمي الجنسية”، ولهذه التسمية ما يبررها، إذ أن الفلسطينيين معزولون فيما يكافئ سجناً في الهواء الطلق في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن “المواطنين الفلسطينيين” يتعرضون للقمع بشكل منهجي وبعدة طرق ولا يسمح لهم بالتصويت.
وانتهكت “إسرائيل” القواعد الدولية وقرارات الأمم المتحدة في مناسبات لا تعدّ ولا تحصى، وهي تحتل أرضاً نمتلكها نحن العرب بشكل قانوني، وبدأت بضم الأراضي الفلسطينية عبر بناء “جدار أمني” يمرّ عبر القرى الفلسطينية، ويقوم جيشها ببناء طرق خاصة “باليهود فقط” في الضفة الغربية لتربط بين المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ولم يتوقف بنيامين نتنياهو عند ذلك بل وعد خلال الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة ببدء الضم الفعلي للضفة الغربية في ولايته الجديدة.
وتتبدى ملامح الاطمئنان التام على محيا نتنياهو بوجود ترامب في السلطة الذي يدعمه دعماً غير محدود، وهذا لا يختلف عن أي إدارة أمريكية سابقة إلا في أنه يمثل زيادة ملحوظة في الدعم “لإسرائيل” المتلقي الأول للهبات الأمريكية، وقام ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأقرّ في إحدى المناسبات بأن واشنطن ترى أن المدينة المقدسة ملكية “للدولة اليهودية”، واعترف بضم إسرائيل غير الشرعي لمرتفعات الجولان السورية المحتل، وزاد من تدفق المساعدات العسكرية والأسلحة “لإسرائيل”، ويبدو لنا في عصر ترامب أن من يقود السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هو نتنياهو، ولا عجب في ذلك!.
يتقاسم الطغاة الثلاثة سجلات رهيبة في مجال انتهاك حقوق الإنسان والتوجهات غير الديمقراطية، حيث تستعد الولايات المتحدة لحرب محتملة مع إيران، ولا تخفي إسرائيل والسعودية توقهما الشديد لنشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، ومن المؤكد أن الحرب مع إيران ستكون كارثية على البلدين، لكن هل سيعي الطاغية الأمريكي أنه ليس سوى ألعوبة بيد نتنياهو وسلمان؟ لا يمكننا الاعتماد على ذلك بوجود أمثال دونالد ترامب وجون بولتون ومايك بومبيو في السلطة.