أخبارسلايد الجريدةصحيفة البعث

الولايات المتحدة بحاجة إلى إيجاد طريقة الحساب الجديدة

في يونيو عام 2018 حين عقدت محادثات القمة الكورية الأمريكية لأول مرة في التاريخ بسنغافورة، كان المجتمع الدولي يؤيدها ويرحّب بها أحرّ ترحيب، ويرغب في بدء تاريخ العلاقات الجديدة بين كوريا والولايات المتحدة في المستقبل.
إذا ألقينا نظرة على الماضي، فإن العلاقات بين كوريا والولايات المتحدة كانت أطول علاقات متناقضة وأكثرها عداء، على كرتنا الأرضية، وكذلك علاقات عدائية تسبب تهديداً خطيراً ليس في سلام هذين البلدين فقط، بل في سلام المنطقة والعالم أيضاً.
كانت الولايات المتحدة يجن جنونها لردع وإضعاف وتدمير كوريا بالقوة متبجحة بأنها “أقوى دولة” في العالم، وبالمقابل، ظلت كوريا تعزز قدراتها الدفاعية الوطنية إلى أبعد الحدود بهدف دفاعها الذاتي، حتى طورت أخيراً أسلحة استراتيجية رائدة قادرة على ضرب الولايات المتحدة، وبذلك وضعت أراضيها الرئيسية برمتها في مرمى ضربها، لذا استمر الوضع الخطير، حيث يمكن أن تنتقل حتى شرارة نار واحدة إلى حرب نووية حرارية فظيعة لم يختبرها العالم بعد، ما زاد قلق المجتمع الدولي يوماً بعد يوم.
ولكن بفضل القرار الحازم والجريء للطرف الكوري الذي يود كتابة التاريخ الجديد بعد وضع حد للماضي البغيض الذي عاشتها كوريا والولايات المتحدة، وتجاوب الطرف الأمريكي مع ذلك، شهدت علاقات العداء بين هذين البلدين مناسبة انعطافية، تلك التي كانت تندفع إلى حالة الكوارث، وعقدت أخيراً محادثات قمة سنغافورة بينهما تحت سمع العالم وبصره.
عبّرت عديد من بلدان العالم عن تأييدها وترحيبها إزاء أول لقاء قمة ومحادثاتها هذه، متمنية لهما التعايش السلمي بإقامة علاقات حسن الجوار من خلال الحوار والمفاوضات المتكررة.
إلا أن محادثات قمة هانوي، التي كانت محط اهتمام العالم الكبير، خيّبت أمل المجتمع الدولي من جراء موقف أمريكا غير المخلص، وانتهت بإثارة الاستياء والشكوك الشديدة من الطرف الكوري، إذ أن أمريكا قدّمت له مطلباً أحادي الجانب غير قابل للتحقيق، منطلقاً من الموقف غير الصائب من المحادثات ومن دون أي خطة لحل المشكلة.
موقف الطرف الأمريكي في محادثات قمة هانوي أثار شكوك الطرف الكوري كما يلي:
أيكون أولاً لدى أمريكا إرادة ثابتة لحل الملف الكوري الأمريكي بطريقة سلمية؟.
تلمس الولايات المتحدة حالياً الرزمة المعدة للسلام من جهة متجالسة مع كوريا، ومن جهة أخرى، تحاول الضغط على الطرف الآخر وإخضاعه، لاجئة علناً إلى فرض العقوبات الاقتصادية عليه والممارسات المعادية لها.
لا يمكن أن يترافق الحوار مع الأعمال العدائية. مثلما تثور الأمواج، إذا هبت الريح، كلما ازدادت سياسة أمريكا إزاء كوريا سفوراً، تزداد تصرفات كوريا شدة رداً على ذلك، وفي نهاية المطاف، سوف يعود يتحرك عقرب ثواني المجابهة الكورية الأمريكية.
إذا أرادت أمريكا بصدق حل المسائل بالطرق السلمية، لابد من أن تكف عن سياساتها وأفعالها العدائية ضد كوريا، وتتعامل مع الحوار واقفة الموقف الصائب.
ثم، هل تعرف أمريكا أبسط الأساليب والإجراءات المرعية في المحادثات والتفاوض؟.
من المعرفة العامة البسيطة أن يجد أي طرف، في المحادثات عموماً، طريقة لحل المسألة بأخذ آراء الطرف الآخر في عين الاعتبار وتقديم المشروع المقبول للطرفين. من هذا المنطلق، فإن إصرار أي طرف على طلبه المتطرف أحادي الجانب بغض النظر عن كل هذه ما هو إلا فعل غير مهذب وخال من الإرادة لإجراء المفاوضات على نحو سلس.
لو أن كوريا طالبت مثلاً الطرف الأمريكي في بداية المفاوضات، بإجلاء كافة القوات المسلحة الأمريكية المنتشرة في شبه الجزيرة الكورية ومحيطها وسحب كل الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية المصوبة إلى كوريا، فهل يمكن لأمريكا أن تقبل هذا؟.
تصرفات أمريكا هذه لا تعدو كونه تعبيراً عن عجرفتها التي تستخف بالطرف الآخر، وتصرفات سخيفة وخطيرة لا تختلف عن السعي لإخماد النار بالزيت. هذا الحوار من النمط الأمريكي لا يفعل مفعوله مع كوريا، نظراً لأنها تعرف تمام المعرفة بشأن الولايات المتحدة ولن تخشى ولا تنكمش على نفسها أبداً أمام “قوتها” وعقوباتها.
لقد أعلنت كوريا أنها لن تنتبه إلى محادثات القمة مع الولايات المتحدة تعطشاً لرفع العقوبات، ولن تعلّق أملاً أكثر من الآن على الحوار غير الواقعي.
إذا أرادت الولايات المتحدة حل المسائل، متجالسة مع كوريا مرة أخرى، لا بد من أن تحترم طرف الحوار الآخر، وتبحث عن طريقة الحساب الجديدة التي تختلف عما كانت عليه في الماضي.
يبقى أمام واضعي السياسات الأمريكان، خياران، أي إما أن يعالجوا العلاقات بين كوريا والولايات المتحدة بطريقة سلمية بإيجاد طريقة الحساب السياسي الجديدة، وإما أن يعيدوا تحريك عقرب الثواني للمجابهة الكورية الأمريكية الخطيرة.
الفرصة تشبّه بالعصفور الطائر.