اقتصادزواياصحيفة البعث

للكبار فقط..!

يتمتع “الكبار” بجاذبية لا تُقاوم مهما ألحقوا الضرر بالآخرين..!

والمصارف العامة خير مثال لمحاباتها للكبار وتدليلهم على مدى العقود الماضية..!

في الوقت الذي منحت المصارف قروضاً بالمليارات للكبار دون ضمانات فعلية تغطي قيمتها وتضمن استردادها.. فإنها وضعت ولا تزال شروطاً تكاد تكون تعجيزية تحول دون حصول “الصغار” أي المواطنين العاديين على القروض المتواضعة..!

أكثر من ذلك فإن المصرف العقاري حدد سقفاً لقرض السكن، ووضع شروطاً لمنحه على الرغم من أن استرداده مضمون 100%..!

ولا يختلف الأمر كثيراً مع العديد من الجهات الرسمية، فهي تميل إلى التعاقد مع الكبار لتأمين احتياجاتها وتنفيذ مشاريعها أو استيراد السلع والمواد التي تحتاجها الأسواق..!

وعندما يتعلق الأمر بتقديم المزايا والتسهيلات والإعفاءات أو الدعم الفعلي للتصنيع والتصدير.. فإن الجهات المعنية تحرص على توفيره للكبار وحجبه ما أمكن عن الصغار..!

هل من أمثلة تؤكد هذه التوجهات..؟

حسناً.. الاجتماعات تؤكد دائماً على كسب ود الكبار من خلال الاستجابة لمطالبهم على شكل قرارات وتعاميم، في حين أن أصحاب المشاريع الصغيرة أو صغار المصنعين والمصدرين لا يحظون بأي اهتمام جدي سوى الكلام المعسول والوعود التي تبقى حبراً على ورق، والاستثناءات محدودة جداً أو تكاد أن تكون معدومة..!

سبق وكشفت غرفة تجارة دمشق في إحدى ندواتها بأن 70% من التصدير في سورية عبارة عن تصدير لمصدرين صغار من حرفيين وورشات وتجار يُطلق عليه “التصدير الصغير”..!

المفاجأة غير المتوقعة في ظل الحديث شبه اليومي للجهات الرسمية وفي مقدمتها وزارة الاقتصاد عن تشجيع الصادرات ودعمها.. أن “التصدير الصغير” الذي يشكل ركيزة الصادرات السورية لا يصله الدعم..!

ماذا يعني هذا الكلام الصادر عن مسؤول في غرفة تجارة دمشق..؟

يعني أن الدعم الحكومي مخصص حصرياً للكبار وممنوع كلياً عن الصغار..ترى لماذا..؟!

ومع أن الحكومة خصصت في موازنتها مبلغ 40 مليار ليرة لتحفيز ودعم المشروعات الصغيرة فإن وزارة المالية لم تدعم أي مشروع مالي على الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على سريان الموازنة العامة للدولة..!

ومقابل تردد الجهات الرسمية بدعم الصغار.. فإن المصارف العامة تتصل بالكبار لتغريهم باستجرار منتجاتها الجديدة أي القروض الكبيرة وبالمليارات، في حين تصر على الاستمرار بوضع الصعوبات التي تجعل من إمكانية حصول الصغار على قروض محدودة ولو بمليون عملية شبه مستحيلة..!

ولا تكتفي الجهات الحكومية كوزارة الاقتصاد بتجاهل المصدرين الصغار والامتناع عن دعمهم مادياً، فهي أيضاً لا تقوم بدعمهم معنوياً من خلال تسهيل صادراتهم كأن تبرم اتفاقيات تجارية مع دول تستورد السلع السورية..!

أكثر من ذلك.. حتى بوجود بعض الاتفاقيات التجارية مع عدد من الدول الراغبة بالاستيراد من سورية فإن المصدرين الصغار يؤكدون عدم الجدية بتنفيذ هذه الاتفاقيات، وكأنها لم تبرم ولم توقع.. أي تتعامل معها وزارة الاقتصاد وكأنها غير موجودة..!

وهذه نتيجة طبيعية تأتي من جهات رسمية لا تدعم سوى الكبار..!

علي عبود