تحقيقاتصحيفة البعث

بوابة لتطوير الخبرات وزيادة الإنتاج دورات إعداد الفلاحين.. برامج مثقلة بالعناوين وشح في التطبيقات التخصصية

أبو سامر سمير الشومري، ابن السبعين عاماً، وجوده يلفت الانتباه، في دورة إعداد الفلاحين كان منسجماً مع كل مفرداتها، وحريصاً على الاستفادة من كل معطياتها، ولم يكتف بذلك، بل جعل بستانه حقلاً لتنفيذ التدريبات العملية للطلاب، وبين المقعد الدراسي وحقول التفاح تنقّل أبو سامر مع زملائه في الدورة لتلقي العلوم أملاً منهم بتطوير خبرتهم الزراعية بشكل ينعكس على الإنتاج الزراعي لديهم، فهل تحقق هذه الدورات الهدف المنشود، أم أنها مجرد تنفيذ خطط روتينية؟ وكيف يمكن أن تتطور مستقبلاً؟.

خبرات ميدانية

في الطابق الأول من مبنى اتحاد الفلاحين تصادفك لافتة تقول إنها مدخل معهد إعداد الفلاحين في السويداء بشكل يجعل الزائر ينشد لمعرفة الخدمات التي يقدمها المعهد، والأهداف التي يسعى لتحقيقها، أولى قاعاته تحوي عشرات الصور للدورات التي تم تخريجها من المعهد بشكل يقول: إن عدداً كبيراً من أبناء المحافظة تلقوا خبرات من هذا المعهد في مجال العمل الزراعي، وأصبحوا يملكون الطريقة والوسيلة المعرفية التي من خلالها يتم التواصل بين الفئات العلمية الأكاديمية، والعملية الميدانية، ونقل أحدث التقانات العلمية الزراعية للفلاحين بطريقة التوعية، ونشر الثقافة المعرفية بينهم، هكذا تقول الأهداف، ولكن ماذا عن التطبيق؟.

انسجام مع الواقع

حالة أبي سامر ليست الوحيدة اللافتة للانتباه، فالشابة ليليان القاضي، وهي طالبة علوم لم يتجاوز عمرها عشرين عاماً، أيضاً تشكّل حالة مشابهة من ناحية العمر، ولكن في الضفة الثانية تسعى من خلال هذه الدورة لاكتساب المهارات الزراعية اللازمة التي تفيدها في حياتها العملية والدراسية، تقول: إن الدورة كانت مفيدة لها لجهة المحاضرات الزراعية، والتطبيقات العملية كزراعة الفطر، وتربية النحل، والتطعيم، والتقليم، حيث تنعكس هذه التطبيقات العملية إيجابياً على تحصيلها العلمي في كلية العلوم كما تقول.

تتدخل هنا هناء اليونس، وهي خريجة تاريخ، لتتحدث عن المسؤولية التي تقع على النساء هذه الأيام في الوقوف إلى جانب الرجل في هذه الظروف التي يمر بها البلد، وهذا يتطلب منها الحصول على الخبرات الزراعية الكافية في المجال الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.

لعل كلام اليونس هذا يجيب عن تساؤل هام حول المشاركين في الدورة الذين هم في معظمهم من الإناث أو كبار السن، وهذا يعطي مؤشراً هاماً على طبيعة الواقع الديمغرافي، والتبدلات التي طرأت في المجتمع، والتي جعلت هذه الشرائح تتجه نحو العمل الزراعي، واتباع مثل هذا النوع من الدورات، وهذا يحتم أيضاً إيلاء هذه الدورات الأهمية الخاصة التي تنسجم مع طبيعة المتدربين أولاً، ومخرجات الدورة تالياً.

تعدد التبعية

تساهم دورات الإعداد الفلاحي في حال الاهتمام بمضمونها في زيادة وعي المزارعين، وتحسين مستواهم المعرفي والسلوكي بغية زيادة دخلهم، والمساعدة في تحسين معيشتهم، وتحقيق التنمية الريفية، كما تعمل على نقل التقنيات الحديثة إلى الفلاحين من خلال اطلاعهم على تجارب البحوث الزراعية عن طريق الزيارات الميدانية، والحقول الإرشادية، وهذا يتكامل مع دور الإرشاد الزراعي الذي يعتمد على مفهوم النهج التشاركي في عمله من خلال إعداد البرامج الإرشادية، انطلاقاً من مستويات الوحدات الإرشادية، ومن خلال تطبيق أسلوب المدارس الحقلية للمزارعين، ما يتيح تغييراً جوهرياً في القيم السلوكية والاجتماعية لمجتمع المزارعين، ويساعد على تفجير طاقاته الكامنة والمبدعة، واستثمار أفضل موارده المتوافرة بما يساهم في زيادة الإنتاج والدخل.

يقول فايز أبو سعد، وهو أحد المهتمين بالشأن الزراعي: إن دورات الإعداد الفلاحي جيدة وغنية بمضمونها، وتعطي الكثير من المعارف والخبرات للمتدربين، وتغير الكثير من المفاهيم الخاطئة السائدة لديهم، والملاحظات التي قدمها أبو سعد اتجهت في منحيين: الأول تبعية المعهد، فهو يتبع إدارياً لاتحاد الفلاحين، ومالياً للشؤون الاجتماعية والعمل، ولا شك أن حالة التشتت تلك تضعف من عمله، أما المنحى الثاني فهو برنامج الدورة المثقل بالمحاضرات الثقافية التي غالباً ما تكون بعيدة عن اهتمام الفلاحين، وذات مضمون واحد، وإن اختلفت التسمية، وبالتالي تنعكس على مضمون الدورة بشكل عام، ويكون ذلك على حساب المحاضرات التخصصية، والتدريبات العملية التي يفتقر إليها برنامج الدورة تحت مبرر ضعف الإمكانيات.

وليس بعيداً عن أجواء الدورة والتدريبات، كانت الاختبارات العملية، حيث كان مدير المعهد المهندس عصام مداح منهمكاً بها، وحالة التوتر السائدة بين المتدربين تعكس مدى الجدية والاهتمام بها أكثر من 100 ساعة تدريبية موزعة في 53 محاضرة يسعى المدربون خلالها لكسب ثقة الفلاح، وتكوين علاقات طيبة معه في القرى والبلدات، كما يعملون على إيجاد علاقات وثيقة مع البحوث العلمية الزراعية، ونقل التجارب ونتائج الأبحاث المميزة إلى حقول المزارعين.

يقول المهندس مداح: إن المحاضرات متنوعة المضامين، منها السياسية، والتنظيمية، والزراعية بشقيها الحيواني والنباتي، وكذلك القانونية، والمالية، مشيراً إلى أن الدروس العملية والتخصصية كانت أكثر جذباً للمشاركين، مبيّناً أن هذه الدورات، حسب النظام الداخلي للمعهد، هدفها رفد منظمة اتحاد الفلاحين بكوادر قيادية، وتزويدهم بالمعلومات التنظيمية، ورفع الوعي الثقافي، والاجتماعي، والسياسي، وتزويدهم بالمهارات الزراعية المختلفة، وتشجيع روح المبادرة، ومهارات التواصل، وتعزيز الجانب الاجتماعي بين المتدربين، وتبادل الخبرات.

 

مواكبة التطورات

نوعية المتدربين في دورات الإعداد الفلاحي تعكس رغبة حقيقية لدى أبناء المجتمع في استمرار الدورات الفلاحية وزيادة عددها  لما تحققه من فوائد كبيرة وتغييرات في معارف ومهارات وسلوكيات المسترشدين، ولما فيها من تبادل للخبرات بين الفلاحين أنفسهم، وبينهم وبين الفنيين المشرفين على هذه الدورات، وقد حققت نجاحاً على الصعيدين العملي والعلمي، أما الأول فكان في تنمية وعي الفلاح بالعمل الزراعي، والثاني في الاستفادة من التجارب والخبرات العلمية من أصحاب الخبرة من باحثين، وفنيين اختصاصيين في مجال الزراعة بأنواعها المتعددة، وتكمن أهمية هذا العمل في الاستمرار والديمومة، لأنه ينقل أحدث التقانات العلمية الفلاحية، والتطورات والتغيرات، والخروج من الأنماط التقليدية المتبعة، وتكثيف التطبيقات العملية، ورفدها بالتقنيات الحديثة، ولابد أيضاً من وضع البرامج والنشاطات انطلاقاً من واقع الفلاحين، وبناء على مقترحاتهم واهتماماتهم، كل هذه الأمور تساهم في زيادة تفاعل المزارع مع تلك الدورات وما تقدمه، وبالتالي تنعكس على الواقع الزراعي، ولابد أيضاً من حصر جهات الإشراف على تلك الدورات، وعدم تحميل الدارسين أعباء فكرية غير زراعية بالمحاضرات الأيديولوجية والعقائدية، وغيرها، وتأمين وسائط نقل لنقل الدارسين إلى مواقع الإنتاج.

قوالب جامدة

بالمحصلة نقول: إن دورات الإعداد الفلاحي تشكّل جزءاً من الإرشاد الزراعي وذلك باتجاه الشكل والمضمون وإن اختلفت جهات العمل، ولكن يبقى المطلوب هو الخروج من عقلية القوالب الجامدة، وتطعيم برامجها بالمعطيات المواكبة للتطور العلمي والتقني الحاصل، علّ ذلك يرفد العملية الزراعية بأياد أكثر خبرة وإتقاناً في التعامل مع العملية الزراعية، والمعوقات التي تعترضها.

رفعت الديك