ثقافةصحيفة البعث

حريم سلاطين الدولة العثمانية

 

يصعب قراءة تاريخ الدولة العثمانية خلال القرن السادس عشر وماتلاه من قرون قراءة علمية، لأن إرهاصاتٍ معقدة المنشأ وقفت في وسط الأحداث رافضة التركيز على التاريخين السياسي والاقتصادي، لأنهما كانا نتيجة من نتائج معركة أنقرة سنة 1204م وحدوث تحول في الهيكلية التحتية لبنية القصر الذي أنشئ أصلاً لإدارة الدولة ثم تحول إلى مأوى شرعي لجوارٍ حسانٍ نفثت سمومها الجمالية فيه وحولت سيده إلى مهرج منبوذ من قواته العسكرية وموضع احتقار من خصيانه بكل أطيافهم العرقية واللغوية ناهيك عن اضطراب ازدواجية المعايير للديوان الهمايوني الذي غدا شماعة تعلق عليه الأخطاء.
يعالج كتاب “جواري القصور العثمانية” للدكتور محمود عامر، حال تلك القصور العامرة بالمحظيات الأوربيات من مختلف القوميات والأجناس اللواتي سُرقن من أوطانهن أو خطفن، واللواتي فعلن بالسراي الهمايوني ما لا رأت عين، وما لا أذن سمعت، فضاع السلطان الحاكم وضاع العرش معه. فالقصر العثماني حفل بمئات بل بألوف من المحظيات الأوربيات والتي تعددت مصادر جلبهن، وعبر التاريخ أسهمت الدول الأوربية في تهريب حسناواتها للوصول إلى حضن السلاطين العثمانيين العاشقين لبياض الحسناوات ودأبوا على وفرتهن في قصورهم، وبدأ الديوان الهمايوني يئن من تسلط رجال السوء الذين غدوا أداة تنفيذ لسيدة تتلعثم في توضيح مفردات أوامرها، واضطر أعضاء الديوان الذين يجيبون فيه دون فهم لما يفعلونه ويحملوا مساوئ أعمالهم للقوميات العرقية ولاسيما العرب الواقفين على هامش الأحداث لا هم معهم ولا هم ضدها، وكان الأتراك العثمانيون سعداء بهذا التهميش الذي استمر أربعمائة سنة ونيف.
يهدف الكتاب بما احتواه من معلومات إلى نقل ما كان يحاك في دهاليز القصور على الدولة العثمانية سلباً أو إيجاباً، علماً أن بعض سلاطينها وصدورها العظام الذين وثق بهم الترك والعرب والكرد لم يلتزموا الأمانة التي تعهدوا الحفاظ عليها، فالكتاب يقدم تفصيلات للقصور العثمانية “السراي الهمايوني” وأقسامهم وعن زوجات السلاطين، ولِمَ تزوج كل سلطان، وما هو عدد نسائه وهوياتهن.
يضم الفصل الأول قراءة علمية لقيام الدولة العثمانية وأصولهم القبلية التي تنحدر من قبائل سكنت أواسط آسيا ثم غادرتها بسبب الضغط المغولي المستمر عليهم، فاضطروا للهجرة باتجاه الشرق إلى أن بلغوا أعالي الفرات ثم تمكنهم من إقامة دولة إسلامية وتظاهرهم بالإسلام المتشدد ليحكموا باسم الخلافة الإسلامية، وفي الفصل الثاني يعرفنا الكاتب على هوانم سلاطين بني عثمان اللواتي كانت غالبيتهن محظيات وجوارٍ غير معروفات لا حسباً ولا نسباً، ورافق هذا النوع من الزواج نشوء سلطنة تحمل قبل قيامها عوامل انهيارها من تنافر حكامها وتآمر أبنائها وفساد إدارتها وانحراف عساكرها ومجون سلاطينها، وسلط الفصل الثالث الضوء على عالم الحريم وخفاياه وعن سوق الإماء وتدريب الجواري والخصيان ولبس المحظيات وغرف الحرملك حتى اندثار هذه الظاهرة في أوائل القرن التاسع عشر.
يلتقي الغرب بالشرق في الفصل الخامس فالخيال الغربي عبّر عن الشرق بأشكال غريبة، ففي أوائل القرن الثامن عشر فتحت بوابة طوفان القصص الرومانسية بوساطة كتاب عن حكايات الجنيات ففي عام 1704 ترجم باحث فرنسي ألف ليلة وليلة أو ما يسمى ليالي العرب، والتي لم تقدم لأوروبا فقط فناً جديداً من فنون السرد إنما أمدتها أيضاً بميدان مسرحي لمجتمع كان الحرملك فيه يقدم مخزوناً يمتلئ بالشخصيات الأصلية التي تماثل وتضاهي ما كتب في ألف ليلة وليلة.
وكما جرت العادة في الحديث عن الدولة العثمانية وجواريها يتوجب المرور على عمودين مهمين من أعمدة السلطنة، العمود الأول: القتل في الدولة العثمانية والتي كانت عنوان الفصل السادس، فاعتماد سياسة القتل وذبح الأخوة ودفنهم أحياء لم تكن ظاهرة غريبة عن قبائلهم البدوية فهو موروث قديم متجذر من البنية القبلية، وأصبح هذا العرف قانوناً أصدره محمد الفاتح يبيح فيه للسلطان الحاكم قتل إخوته كافة تجنباً لحدوث نزاع على اقتسام أملاك الدولة، إلا أن السلطان أحمد الأول كان أكثر عقلانية فألغى ظاهرة القتل واستبدلها بالسجن في الغرفة الحديدية. أما العمود الثاني فهو التغلغل اليهودي في البلاط العثماني والذي كان من نصيب الفصل السابع، فلقد تمتع اليهود بنفوذ كبير هيأ لهم معرفة أسرار الدولة ومكنتهم من إبعاد العنصر التركي عن شؤون الإدارة، وتوجه قسم كبير من اليهود إلى إغراق القصر بالمحظيات وأنهار من المشروبات الروحية، وازداد هذا النفوذ أيضاً بسبب زواج السلاطين بنساء يهوديات، كما أسهم اعتماد السلاطين على أموالهم في السماح لهم بالمشاركة في اجتماعات الديوان الهمايوني، وهذا ما ساعدهم فيما بعد على صياغة القرار في دولة آل عثمان.
يقدم هذا الكتاب جولة سريعة في عالم الحريم، وتفصيلات عن القصور العثمانية وأقسامها محاولاً الكاتب فيه أن يقدم قراءة علمية وواقعية لا دور فيها للمبالغة والتلفيق، وأيضاً الاطلاع على ما دار في قصور بني عثمان.
علا أحمد